عزيزة المفرج: فعلا راح زمن الطيبين

من ضمن الطيبين اللي راحو وانتهى زمانهم خدامات أيام أول، وكان لابد ان نتذكرهن هذه الأيام، ونهز رؤوسنا حسرة عليهن، فمن ينسى ذلك الاخلاص، والاحساس بالانتماء الذي تميزن فيه.من ينسى ان الواحدة منهن تأتي للكويت لكي تخدم أسرة ما، فتبقى، ويا قعدة كوني قعدة، فتطول الاقامة وتمتد، وعلى الأغلب تظل الخادمة عند الأسرة التي استخدمتها سنوات طويلة تقوم خلالها بزيارات متقطعة الى بلدها لرؤية أهلها، والاطمئنان على الأمور هناك، ولا تتقاعد وتعود عودة نهائية الا بعد ان تكبر، وتتعب من الخدمة.خادمة زمان كانت تعتبر نفسها أحد أفراد الأسرة التي تعمل عندها، وحسن التعامل كان متبادلا بينها وبين معازيبها، وما نسمع عنه في أيامنا هذه لم يكن يحدث آنذاك.اسأل أية أسرة كويتية عن أفضل خادمة عملت عندها وستكتشف أنها، على الأغلب، خادمتهم القديمة التي كانت تحفظ البيت اذا غابت سيدته عنه لأمر من أمورها كما لو كانت هي صاحبته، أما عيال الأسرة فهم عيالها الذين لم تحملهم تسعة أشهر في بطنها.خادمة زمان هي من الناس الذين نقول عنهم (راحو الطيبين)، فهي كانت تأتي لكي تخدم بأمانة وشرف، وتتغرّب لكي تكسب لقمتها ولقمة عيالها بعرق جبينها، ولم تكن تأتي لكي تهرب بعد فترة طالت أو قصرت لكي تكسب لقمتها بطرق أخرى غير محترمة.خادمة زمان كانت ذات نوايا صافية، ولذلك لم تكن تصل للبلاد وهي مزودة بأرقام التاكسي الذي سيهرّبها الى حيث تريد متى شاءت، وعنوان المأوى الذي ستختبئ فيه الى ان ينتهي عملها في الكويت، وموبايل البنغالي أو العربي الذي سيسمسر عليها بين عزوبية خيطان والفروانية وجليب الشيوخ، وعنوان السفارة اذا أرادت ان تهرب لها لتقوم تلك بتسفيرها بجواز مؤقت تحت أنف وسمع حكومة دولة الكويت التي لا تجيد فنون اللعب على الرغم من أنها على أرضها، وبين جمهورها.خادمة زمان لم تكن تصل للبلاد وهي مزودة بالخبرة اللازمة لكيفية العودة لبلدها عندما تشبع من (اللوث والهياتة)، بأن تسهّل لأجهزة الأمن القبض عليها بتهمة الهرب من الكفيل، والعمل لدى الغير، وما يتلو ذلك من اجبار للكفيل المسكين الذي دفع ثمن استقدامها، ولم يستفد من خدماتها، على دفع ثمن تذكرة عودتها على الخطوط الجوية الكويتية، واذا اعترض بسبب الظلم، هدد بايقاف كافة معاملاته.خادمة زمان لم تكن تلف على البيوت كعب داير بمساعدة من المكتب الذي يستقدمها، لكي تختار الأسرة التي تعمل عندها بعد انطباق معاييرها وشروطها عليها، ولم تكن تضع في حسبانها رمي شباكها على كفيلها أو أحد أبنائه، أو أحد أقاربه، أو أحد جيرانه، من أجل الزواج منه، والتحول من خادمة البيت الى سيدته، والمتحكم في شؤونه.خادمة زمان لم تكن تأتي لكي ترتكب جرائم مثل تهريب المخدرات، أو صناعة الخمور وبيعها، أو ازهاق روح بريئة بلا مبرر كاف فقط لأن حضرتها معصبة أو متضايقة، أو تعبانة نفسيا، أو استلمت خبرا من بلادها أزعج مشاعرها الرقيقة.خادمة زمان لم تكن تأتي وهي عازمة على سرقة كفيلها كلما سنحت لها فرصة ملائمة، أو التعاون مع آخرين وأخريات للتجارة في تموين المنزل، أو حتى تحويله مطبخ وجبات رخيصة للعمال اذا كان أهله يا غافلين لكم الله.خادمة زمان كانت هيّنة في تكاليف استقدامها، وليّنة في قيمة راتبها، وسهلة في تعاملها، وما نملك في هذه الحال غير ان نقول، ليت القديم يعود يوما، فنخبره بما فعل الجديد.

عزيزة المفرج
almufarej@alwatan.com.kw
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.