أعتقد انه يصعب على من أدمن الأضواء والتأزيم السياسي أن ينسحب طواعية من الساحة المحلية أو ان يتوقف عن ميله السلوكي الراسخ نحو فبركة الأزمات المفتعلة والجدل التماحكي والذي جعله في السابق محط الأنظار! فإدمان الأضواء وبخاصة عن طريق اعتناق خطابات تهييجية وشعبوية وتأزيمية يصعب الافتكاك منه, فشخصية المؤزم والمتماحك الديماغوجي المُبهر بطبيعته بالأضواء الإعلامية المسلطة عليه اساسها ارتباط هذه الشخصية التأزيمية, بيولوجياً وفكرياً, بأصوات عدسات الكاميرات وفلاشاتها وانعكاسات الصور الحية في كاميرات التلفزيون, بل يصعب علي شخصياً توقع تقاعد أحد أقطاب التأزيم السياسي, ما دام ثمة ميكروفونات وعدسات وفلاشات وما دام لديه فرصة أخرى للبروز الإعلامي. فمُدمن التأزيم والإثارة ومغثة الآخرين يصعب إقناعه بالعدول عن مبالغاته او التوقف عن اثاراته وفرقعاته الصاخبة وتهييجه الديماغوجي.المؤزم لا يتقاعد لأنه يتنفس التأزيم والأضواء ولا يستطيع العيش خارج نطاقه التأزيمي!
إضافة إلى ما سبق ذكره حول إدمان التأزيم, يصعب أيضاً توقع تقاعد المؤزم وذلك بسبب تناقض التقاعد والابتعاد الطوعي عن الجدل السياسي مع شخصية وسلوكيات المؤزم. فليس ثمة خيارات بديلة عن التأزيم السياسي بالنسبة الى المؤزم. فما عُرف عنه وما ترسخ في أذهان الناس عن المؤزم هو ارتباطه اللصيق بالجدل السياسي, والإثارة الاعلامية والانتخابية. فأين سيجد المؤزم “المتقاعد” بدائل أخرى لتفريغ طاقاته التأزيمية?! وكيف بمن لا يملك سوى مهارات وخبرات التأزيم والتناحر الفكري مع الآخرين ان يستثمر وقته في شيء آخر أكثر إشباعاً لغرائزه التأزيمية? بل أعتقد أن تسريب بعض المؤزمين لنواياهم المزعومة والمفبركة في التقاعد من الساحة السياسية المحلية ما هي سوى محاولة أخرى في سعيهم الى العثور على وسائل جديدة لخداع الرأي العام أو لإعادة غربلة صورتهم الإعلامية السلبية.
المؤزم لا يتقاعد ولا يستريح ولا يُريح الآخرين, ولا يمل ولا يكل, ولا يتململ إطلاقاً من التأزيم, فإذا توهم أحدهم بأن أحد المؤزمين, وبخاصة المعتقين منهم أبدوا رغبتهم في ترك الساحة السياسية, فليتوجس العقلاء من هؤلاء! فما سيأتي بعد ذلك ربما سيكون أكثر تأزيماً وفوضوية عما سبق. بالانكليزي الفصيح: “المؤزم ما فيه طب”!
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق