عادل الصرعاوي: صندوق الأسرة حسبة ناخب.. وليست حسبة وطن

تابعنا خلال الأيام الماضية ما شهدته الساحة البرلمانية في ملف إسقاط فوائد القروض، وإن كان للقانون الذي تم التوافق عليه بين الحكومة واللجنة المالية تحت مسمى «صندوق الأسرة» من حسبة، فهي حسبة ناخب ومرشح، وليست حسبة وطن.

فمن المؤسف أن تتسابق الحكومة مع المجلس في كسب الشارع على حساب المال العام، إن الموقف النيابي المطالب بإسقاط فوائد القروض، الذي سبق أن تصدينا له بالمجلس ليس بالغريب، إنما الغريب هو التراجع الحكومي في مواجهة هذا الملف لكسب الشارع، والبحث عن إنجاز على حساب المال العام وحق الأجيال القادمة.

ومن المؤسف أيضا ما يتردد من وجود توجه أو آراء بأنه يجب إقرار القانون دعما للمجلس، وبأن هذا المجلس استطاع أن ينجز ما عجز عن أن تنجزه المجالس السابقة، وهذا الأمر إن صح، فإنه تسابق مرفوض، لأنه يأتي على حساب المال العام وحساب الأجيال القادمة.

 

وإذا نظرنا إلى امتناع الحكومة عن التصويت على قانون إسقاط الفوائد، فإنه موقف ليس له ما يبرره، ولا يمكن تفسيره إلا بالتردد والقبول المبدئي للقانون وهو بطبيعة الحال أمر مؤسف كذلك.

كنت أتمني صادقا ألا يكون صحيحا ما يتردد بأن هناك تسوية سياسية بين الحكومة والمجلس، بأن يتم تأجيل الاستجوابات مقابل الموافقة على قانون إسقاط فوائد القروض، فهذا الأمر كما أكدناه سابقا يأتي على حساب المال العام.

ومن الأمور المستغرَبة في تداعيات هذا الملف أن هناك من يسعى وبكل قوة لإقناع القيادة السياسية بأن هناك إجماعا شعبيا على إسقاط فوائد القروض، وهو أمر غير صحيح البتة.

وكان الأجدر بالحكومة أن يكون لها موقف تضامني موحّد وصارم من حيث المبدأ، يتمثل في عدم دخول جلسات المجلس في حال طرح موضوع إسقاط الفوائد، ورفع كتاب عدم التعاون أسوة بموقفها في حال عدم تأجيل الاستجوابات، انتصارا للمال العام ومبادئ الدستور، فهذا أجدر من ذاك، كونه يأتي في سياق انتصار الحكومة للدولة والمال العام، وليس الانتصار لمكاسب شعبية وانتخابية للبعض.

ولو نظرنا لقضية القروض بنظرة فاحصة ومهنية، فسنجد أن عدد العملاء المتقدمين بطلبات لتسوية مديونياتهم (صندوق المعسرين) حتى 27 ديسمبر 2012 قد بلغ 28.419 عميلا، وعدد العملاء الذين تمت الموافقة عليهم للدخول في صندوق المعسرين حتى تاريخه بلغ 19.902 عميلا، وبمبلغ 413.6 مليون دينار، وهو الأمر الذي يعكس مدى جدوى صندوق المعسرين.

وقد بلغت قيمة المبالغ المدفوعة من هذه القروض للعقود الموثقة نحو 362.4 مليون دينار، ووفقا للبيانات المقدمة للبنك المركزي من البنوك وشركات الاستثمار كما في 1 مايو 2008 (أقرب معلومات متوافرة) فإن قيمة العوائد والفوائد على القروض الاستهلاكية والمقسّطة في التاريخ المذكور بلغت نحو 2.129 مليار دينار كويتي، وعدد العملاء الحاصلين على قروض استهلاكية ومقسطة من البنوك وشركات الاستثمار حتى 1 أبريل 2008 يبلغ نحو 67 ألف عميل، مقارنة بعدد المواطنين الكويتيين وفق بيانات المعلومات المدنية 1.214.000 نسمة، في حين تبلغ نسبة حالات التعثر المتخذ بشأنها إجراءات قانونية نحو %1.8 من إجمالي عدد القروض المقدمة للعملاء الكويتيين لمثل هذه القروض الممنوحة.

فحالات التعثر المتخذ بشأنها إجراءات قانونية بلغت نسبتها الى قيمة القروض %1.2 التي تبلغ إجمالي قيمتها كما في 2012/11/30 نحو 6.555 ملايين دينار، شاملة العوائد المتبقية حتى تاريخ الاستحقاق بالنسبة للبنوك وشركات الاستثمار الإسلامية.

أما إذا راجعنا بعض الاقتراحات المقدمة من النواب واللجنة المالية، فسنجد أنها نصت على أن يكون التعامل مع رصيد القروض الاستهلاكية والمقسطة كما بتاريخ 12/2012، وبعضها كما بتاريخ 12/2009، في حين نصّت المادة وفق ما تم التصويت علية وفق رصيد المديونية بتاريخ 2008/4/1، وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة حول حجم المشكلة المصطنعة.

فالقانون الذي تم التصويت عليه حدد تاريخ رصيد القروض كما في 2008/4/1 هو اعتراف بأن بعد هذا التاريخ ليس هناك حالات تستحق أن يشملها القانون، إضافة إلى تطبيق نظام المخاطر المركزي، ويحصر المشكلة إلى ما قبل هذا التاريخ.

من جهة أخرى، فإن ما قبل هذا التاريخ قد شملهم قانون صندوق المعسرين من واقع تسديد المستحقات عليهم بحجم استفادتهم من القانون من دون فوائد، وبما يضمن عدم تجاوز المستحقات عليهم نسبة %50 من دخلهم الشهري، إذن أين المشكلة؟

• أشار تقرير اللجنة التشريعية رقم 12 بتاريخ 2013/1/12 (بأن الاقتراحات بقوانين لا تخلّ بالمبدأ الدستوري (المساواة) بين المواطنين، حيث إن المساواة يجب أن تكون بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة، الأمر الذي يمكن تفسيره أنه نظرا لعدم التماثل بين المراكز القانونية بين العملاء المقترضين، فإنه يمكن تجاهل وتجاوز مبدأ العدالة والمساواة، وهو بطبيعة الحال أمر مستغرَب من لجنة تشريعية معنية بالدرجة الأولى لتطبيق الدستور والتأكيد على احترامه.

أما تقرير اللجنة المالية فإنه جاء خاليا تماماً من أي معلومات أو أرقام أو بيانات بنت عليها اللجنة رأيها بالموافقة على الاقتراح بالقانون، وعليه فإن السؤال الذي يطرح نفسه: على ماذا استندت اللجنة في الموافقة على الاقتراح بالقانون؟

وبعد الاطلاع على كل الاقتراحات بقوانين المقدمة فإننا نلاحظ أنها جاءت خالية تماماً من أي بيانات أو أرقام بنى عليها مقدمو الاقتراحات اقتراحاتهم، التي من المفترض أن تعكس حجم القضية أو المشكلة التي من أجلها تقدّموا باقتراحاتهم لعلاجها.

إن بيان الديوان الأميري بالطلب بعدم الإشارة الى سمو الأمير في حال طرحهم أيا من الاقتراحات والقوانين قد تعكس أن البعض بعد أن عجز عن إيجاد المبررات والدوافع المساندة لهذه الاقتراحات، لجأ إلى الحديث عن تصورات سمو الأمير بهذا الخصوص، وهذا ما نفاه الديوان الأميري.

وفي النهاية نؤكد أن الحكومة عليها استحقاق لتثبت موقفها الرافض للقانون، بعيدا عن الحسابات السياسية، التي تأتي على حساب المال العام، حيث مازلنا نعول على بعض الوزراء ودورهم الوطني في مواجهة هذه القضية.
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.