منذ سنوات ونحن نسمع من يدعو إلى «حوار وطني».
العنوان جميل ولا غبار عليه، فالحوار هو لغة «الإنسانية»، والتحاور سمة طيبة في «الإنسان».
وإذا كان الحوار في الوطن، وبين المواطنين، وعلى القضايا التي تهم المواطن والوطن، فهو أمر محمود، ولكن الواقع ليس كذلك، لأن من يطلق هذا الشعار، ومنذ سنوات يرفعه كشعار سياسي «لا معنى له» أكثر من كونه مطلباً واقعياً.
من أوائل من طالبوا بمؤتمر للحوار الوطني الحركة الدستورية، التي كانت تدفع بهذا الاتجاه، ولكن لم يحدث إجماع على هذا الطلب، فتم تناسيه.
ثم قامت بعض التجمعات السياسية لدعوة الأطراف إلى هكذا حوار، ولكن لم يُكتب له النجاح والاستمرار.
واليوم نسمع إلى من يطالب بهذا النوع من الحوار ومن يرفضه.
في الدول الديموقراطية يكون هذا الحوار وتفرعاته من خلال المجلس النيابي الذي عادة ما تلتحم به كل التيارات والمجاميع السياسية، وبالتالي تكون قبة البرلمان هي الجامع الحقيقي لهذه الحوارات.
وفي الدول الديموقراطية تكون مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات نفع عام ونقابات هي المترجمة الحقيقية لتطبيق مخرجات هذا الحوار الوطني، ويكون عملها متناسقاً ومتكاملاً لبناء مجتمع متماسك على أسس دستورية وقانونية، بالإضافة إلى الأعراف التي يتبناها المجتمع.
أما الدعوة إلى «حوار وطني» اليوم فليست هناك جهة «تمون» على الجميع حتى تستطيع أن تكون حاضنة لهذا الحوار.
كما أنه ليس لأي جهة منفردة القدرة على تطبيق نتائج هذا الحوار.
وأي حوار من هذا النوع سينتهي إلى توصيات ستُرفع إلى الجهات العليا في الدولة، وهو ما يقوم به البرلمان في أي مجتمع ديموقراطي، فإن كان هناك «حوار وطني» حقيقي، فيجب أن يتم تحت قبة البرلمان، ومن النواب الذين تم انتخابهم من قبل الشعب، وغير ذلك لن يكون إلا نزفاً فكرياً وثقافياً لا بأس به إذا كان للتسلية وتمضية الوقت.
د. عبدالمحسن يوسف جمال
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق