أصدرت الجمعية الاقتصادية بياناً صحافياً حول قضية اسقاط فوائد القروض عبر ما عرف بـ«صندوق الأسرة» مشيرة الى ان المسار المتسارع الذي سلكته الخطوة، لا يقل خطورة عن مضمونها، لاسيما وأنها تعكس حالة من عدم الرغبة في الاستماع الى وجهات النظر الفنية سواء التي طرحتها مختلف جهات الاختصاص وجمعيات النفع العام كما ان الطريقة التي يتم التعاطي مع ملف مهم بهذا الحجم، لا ينتج الا مزيداً من الغموض حولها لاسيما في ظل تضارب الأرقام حول الكلفة الحقيقية وافتقارها الى الدقة.
وقالت الجمعية أنها على الرغم من انها كانت في مقدمة مؤسسات وجمعيات النفع العام التي حذرت من خطورة مثل هذه التوجهات سواء عبر بياناتها التاريخية أو من خلال بيانها الأخير الذي نشر قبل أسابيع حول هذه القضية، الا المعالجة المتسرعة للملف دفعها مجدداً للتحذير من تداعياته.
وخلص بيان الجمعية الاقتصادية الى التشديد على جملة من الحقائق، داعية في الوقت نفسه الى التروي في بحث ملف اسقاط القروض والاستماع الى وجهات النظر كافة، لاسيما وان أي خطوة من هذا النوع تفترض تكلفة مالية باهظة، وبالتالي فان الجميع معني على اعتبار ان تداعياتها ستكون مستقبلية وعلى حساب الأجيال القادمة، لذا فان الجمعية الاقتصادية باعتبارها مكوناً أساسياً من مكونات المجتمع المدني، وأمام المسؤوليات التي تضطلع بها بما ينسجم مع المبادئ التي تأسس عليها تجد نفسها مدفوعة لتسيط الضوء والتوقف عند النقاط التالية:
في الوقت الذي تؤكد فيه الجمعية على تمسكها المطلق بمبدأ «عدم اسقاط القروض»، غير ان الدخول في تفاصيل النقاشات التي حصلت حوله، يعكس حالة الغموض التي تكتنف التكلفة الحقيقية لهذه الخطوة، – والتي لن تقل في أحسن الأحوال عن 2 مليار دينار، وهو ما يعادل نحو 3.6 مليارات دولار، علماً ان وزير المالية قدرها بنحو 4 مليارات دينار محذرة من ان هذا الغموض قد يؤشر على امكانية ارتفاع التكلفة مستقبلاً، لاسيما وان هناك الكثير من الفرضيات والأرقام التقديرية التي بنيت عليها الاقتراحات المختلفة.
الأرقام المتداولة
لفتت الجمعية الى الأرقام المتداولة تبدو في مختلف الحالات أرقاماً فلكية، وربما يبدو مدى ضخامة حجمها عند تقدير عدد المشاريع التي يمكن ان توظف فيها مثل هذه المبالغ أو على الأقل استخدامها في معالجة بعض المشكلات المزمنة كمشكلة السكن أو الكهرباء أو حتى تطوير البنية التحتية.
وتقود فكرة طرح هذا المقترح في هذا التوقيت بالتزامن مع أزمات مالية في كبرى الاقتصاديات العالمية سواء في أمريكا أو دول الاتحاد الأوروبي من بينها أزمة قبرص الأخيرة والتي تحتاج بشكل عاجل لنحو 17 مليار يورو، أو حتى مع ما عايشناه من أزمات محلية سابقة، الى طرح التساؤل عن مدى أخذنا العبر من هذه التجارب.
وان النقطة السابقة، ليست الا مثلاً حياً على نهج تتم على أساس معالجة ملفات اقتصادية وفقاً لأسس سياسية شعبوية محضة بعيدة كل البعد عن الأسس والمعايير الفنية، ومن المثير للاستغراب والاستهجان ان الأصوات التي رأت على سبيل المثال في سداد غرامة «الداو كاميكال» اقتطاع من «اللحم الحي» للأجيال القادمة، ان تستخدم وسائل أخرى ليست سوى تكريساً للهدر وانما بصور مختلفة.
مكافأة للمقترض
وعلى المستوى الفردي، يظهر «اسقاط القروض» بمظهر وكأنه لن يكون الا بمثابة «مكافأة» لمن اعتاد الاقتراض والتبذير بشكل مستمر، مقابل معاقبة من حرص على ترتيب أولوياته المالية بما يتناسب مع حجم مداخليه، واذا كان هذا المنطق يرد عليه البعض بوجود حالات اعسار حقيقية، فان مثل هذه الشريحة يمكنها الاستفادة من صندوق المعسرين الذي سبق للحكومة ان أقرته، مع توقعات بأن تكون هذه النسبة ضئيلة مقارنة الى اجمالي المقترضين، لاسيما وان بيانات البنك المركزي أظهرت ان نسبة بسيطة اتخذت بحقهم اجراءات قضائية، فكم ستكون نسبة من اتخذ قروضاً نتيجة حالة عوز حقيقية؟
دعم المواطن
ان الجمعية الاقتصادية ما كانت لتتصدى لهذا النهج، لولا اليقين التام، ان جميع المبادرات المالية التي اتخذت في السابق ذهبت سدى، ولم تساهم الا في تكريس مبدأ الثقافة الاستهلاكية، وفي هذا السياق تظهر احصائية أعدتها الجمعية ان السنوات السبع الماضية سجلت ما لا يقل عن 4 مليارات دينار زيادات في الرواتب يضاف اليها نحو 1.2 مليار دينار المكرمة الأميرية التي أمر بها صاحب السمو في العام 2011، ما يعني ان اجمالي ما استلمه المواطنون من دعم مباشر لا يقل عن 5 مليارات دينار أي ما لا يقل عن 15 مليار دولار، دون ان يضاف ما يحظى به المواطن من دعم غير مباشر عبر برامج التموين وغيرها.
الأثر الأسوأ
بعيداً عن لغة الأرقام، يبدو الأثر الأكثر سوءاً لهذه الخطوة، في تداعياتها على السلوك الفردي والاجتماعي، اذ أنها ليست سلسلة من الخطوات التي اتخذت على مدى السنوات القليلة السابقة، والتي تغرس لدى شريحة واسعة من المستفيدين من فكرة «الدولة الريعية» التي ستأتي في نهاية المطاف لتعالج آثار قراراتهم الشخصية، واستمرار هذا النهج سيكون له أثمان باهظة مستقبلاً.
أما على المستوى المالي، فان مثل هذا الاقتراح وعلى اعتبار أنه سيسدد من الفوائض المالية للدولة أو من حسابات يفترض ان تدخر للأجيال القادمة، وبالتالي فان هذه الخطوة ليست سوى جزء من سلسلة خطوات شهدناها على مدى السنوات الماضية، والتي تناقض النهج الاستراتيجي السباق الذي اعتمدته دولة الكويت في تأسيس صندوق للأجيال القادمة واستثمارها في فرص استثمارية تدر عوائد مستمرة بدل توظيفها في توجهات لن يكون لها أثر مهم حتى على الدورة الاقتصادية نفسها.
ويهم الجمعية التأكيد على ان موقفها الرافض لمقترح صندوق الأسرة يأتي منسجماً مع المواقف التاريخية الرافضة لأي شكل من اشكال اسقاط القروض، والتي بدأت منذ طرح هذا الموضوع في عام 2006، كان أبرزها: مناظرة بين الجانبين الحكومي والنيابي وحملة لا لاسقاط القروض من ذلك العام، ومن ثم ومع اعادة طرح الموضوع في العام 2010، أعدت الجمعية التعبير عن موقفها من خلال ندوة أضرار فوائد القروض، كما أنها تستعد لاستكمال مبادرتها بهدف زيادة وعي الرأي العام على مخاطر مثل هذه القرارات، لاسيما بالنسبة للأجيال القادمة.
قم بكتابة اول تعليق