تدور حركة غير طبيعية هذه الايام بخصوص تجنيس البدون بعدما وافقت الحكومة على مقترح المجلس. وخرجت على اثره البيانات والتصريحات وانتشر الفرح والسرور وابتهج اصحاب الحق بالتجنيس على أمل قرب حصولهم لوثيقة النجاة. في ظل هذه الاجواء المفعمة بالتفاؤل، بودي أن أقول شيئاً.
تصرف الحكومة بحق هذا الملف واضح أنه تمنن على الناس وليس فرضا أو إلزاما أو واجبا. الحكومة حينما توافق على طلب كهذا، ترفق كلمتها دائما وتسنده بأنه حق «سيادي» لا ينازعها أحد. ولا أدري ما معنى سيادي هنا! لنبدأ كالتالي:
ما نفهمه من سيادي أن لا دخل لأحد في المسألة باستثناء القرار السيادي. طيب إن كانت القضية كذلك، فلماذا توافق الحكومة على مناقشة الموضوع في المجلس ومع النواب؟ فإما أن القضية سيادية وليغلق الباب على المجلس والناس والصحافة والجميع، وليُترك الامر للسياديين، أو أن الموضوع غير سيادي بل قانوني بدليل ان المجلس والنواب يصارعون الحكومة واللجنة المركزية لسنوات طويلة، ومن ثم على الجميع أن يلتزم بالقانون ولا يعاد على أذهاننا كل قليل كلمة «سيادية»!
طبعاً نحن تائهون في هذه المسألة ولا أدري إن كانت سيادية أو قانونية طالما أن الحكومة تلبس مرة قبعة هذا الطرف ومرة أخرى القبعة تلك، لكن لنفترض أنها قانونية. افترض الآن أنها قانونية، فما معنى التفضل والتمنن الحكومي طالما أن الناس لهم حق قانوني في الجنسية. أليس من الصحيح أن من له حق قانوني في الجنسية أن يطالب برد الاعتبار والتعويض عما فاته وبحرمانه منها طوال هذه المدة؟!
ثم لو زدنا الموضوع قليلا وقلنا ان القرار السيادي ويخص منح الجنسية من عدمه وقبلنا بذلك، لكن هل احتقار الانسان وازدراؤه وإهانته يدخل ضمن الاعتبارات السيادية!؟ فهل كلام اللجنة المركزية بأن الدولة «لا تمتنع عن تقديم أي مستند إذا ما استوفت المتطلبات اللازمة التي يحددها القانون»، هل هذا الكلام ينسجم مع الحق الانساني والحق البشري للأوادم التي تعيش على وجه الارض بشكل عام؟ فهل يحتاج الإنسان كي يعيش كإنسان من زواج ودفن وتطبب، بحاجة لمستندات!؟ لماذا الإنسان كإنسان عليه أن يأتي بأدلة وثبوتيات كي يثبت أنه ميت وكي يُدفن وكي يتزوج، وهل الإنسان الرسمي يختلف في طبيعته عن البدوني في حقوقه الفسيولوجية والجسمانية أم أنها حقوق مُعطاة للجميع من الطبيعة!
مشكلتنا أننا نخلط ولا نعرف الفرق بين الثلاثة: بين السيادة، والقانون، والأخلاق. لهذا وبرغم حالة الفرح والابتهاج التي تنتاب البعض هذه الايام، لكنني أراها قضية تستحق الحزن كوننا نعالي من مشكلة فكرية حقيقية.
hasabba@gmail.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق