أسيل أمين: قانون القانون

انتقلت إلى جيل الشباب ثقافة تجاوز القوانين بدلاً من التفكير في كيفية تطويرها.. فمن يتحمل مسؤولية الفوضى التي ستنتجها هذه الحالة؟

تسن القوانين من أجل تنظيم المجتمع وحفظ حقوق وواجبات الأفراد والجماعات من المواطنين والمقيمين بشرط التزام الجميع بها، وأن تطبق عليهم دون تمييز بينهم بسبب لون أو جنس أو طائفة أو طبقة أو أصل، والكويت تزخر بعشرات القوانين والتشريعات معظمها متطور وبعضها يحتاج إلى التطوير، ولكن بشكل عام القوانين موجودة، لكن هل هي مطبقة بشكل كامل وعادل على الجميع؟! قد تختلف الإجابات بين نعم ولا وربما.. بيد أن قراءة متأنية تجعلنا نميل إلى إجابة.

من حيث النصوص، فالقوانين موجودة، ومن حيث التطبيق فالقوانين مطبقة «إلى حد ما» وذلك لعدة أسباب، تتحمل الحكومة جزءا منها، ويتحمل أفراد وجماعات المجتمع الجزء الآخر. ففي فترات سابقة ساهمت الحكومة، إما بسبب التراخي أو المحاباة أو الاستثناءات، بعدم الالتزام في تطبيق القوانين، مما أشاع بين الناس قناعة أن الحكومة لا تطبق القانون وأن «الواسطة» فوق القانون، وبالتالي تحولت هذه القناعة إلى ثقافة شعبية بل وبطولة في خرق القانون، وبسبب ذلك صار احترام القانون سبة والالتزام به عيبا، والأدهى أن هذه الثقافة انتقلت إلى جيل الشباب، فأصبح الشباب يفكر في الواسطة (خرق القانون) قبل أن يفكر في تطوير ذاته وتكثيف جهوده ومثابرته من أجل الحصول على الشهادة العلمية ورفع مستوى كفاءته «لأن واسطته ستكفل له الوظيفة المناسبة»، وهذه الخطوة الأولى في قتل الطموح وقطع شريان المستقبل. والأخطر من ذلك أيضا، إذا انتقلت هذه الثقافة إلى جيل الأطفال، حينها كيف سنأمن على مستقبل البلد، ومن يتحمل مسؤولية الفوضى المقبلة؟!

أعلنت الحكومة في الأشهر القليلة السابقة أنها ماضية في تطبيق القوانين على الجميع وبلا تمييز، وهذا ما نأمله ونتمناه وننتظره، وهذه المرحلة الأولى من الإصلاح، لكن، ألا يتطلب هذا التوجه تفاعلا إيجابيا من الأفراد والجماعات من المواطنين والمقيمين، لأن الأصل من تشريع القوانين تنظيم المجتمع. قد يرد أحدهم أن الحكومة غير جادة في الالتزام بتطبيق القوانين فكيف يطبق الناس القوانين؟

الإجابة غاية في البساطة وتتمثل في الآتي: أولا، أن القانون المكتوب يحتاج إلى قانون آخر غير مكتوب وهو قانون الثقة، فإن انعدمت الثقة فلا مجال لتطبيق القانون. وثانيا، أن يبدأ كل فرد بنفسه مؤمنا بأنه ملزم بتطبيق القانون من دون أن ينظر إلى الآخرين «مهما حققوا نجاحاتهم بسبب خرقهم للقوانين»، وأن ينطلق من قاعدة «إن لم أكن أنا فمن إذن».. وهذا هو التحدي الكبير، أن يبدأ الإنسان بنفسه ولا ينتظر من الآخرين تطبيق القوانين. فاحترام القانون والالتزام به ثقافة الشعوب المتحضرة، وأولى خطوات الحضارة.

أسيل عبدالحميد أمين
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.