هل نجحت السلطة متمثلة في الحكومة ومستشاريها والمتنفذين المحيطين بها في إضعاف قوى المعارضة ، أم أن المعارضة ذاتها لم تكن قادرة على المضي قدما في كيان متماسك لاختلاف مكوناتها وبرامجها ومنطلقاتها.
أيا يكن الجواب فإن المعارضة اليوم لا تملك مشروعا سياسيا واضح المعالم وهو ما أثر سلبا في قوتها التأثيرية في المجتمع وكانت أن استعانت في بداية حراكها بالغضب القبلي القائم على محاولة أطراف هنا وهناك الانتقاص من مكتسبات يرى هؤلاء أحقيتهم بها ثم حينما خفت ذلك الغضب كان أن حاولت تجييش المريدين معتمدة أخطاء الحكومة في مواجهة حشود الغاضبين وهو ما نجح جزئيا غير أن استيعاب الحكومة لاحقا لخطورة التعامل الأمني غير المبرر مع حراك المعارضة خفف بل وأسهم في اضمحلال ذلك الحراك على مستوى جماهيري والابقاء عليه في بيانات المعارضة المتمثلة في نواب المجلس المبطل الذين لم يستوعبوا أن لكل مرحلة سياسية متطلباتها وما صلح لمرحلة مجلس 2009 لم يكن ليثمر نجاحا في مرحلة مجلس الصوت الواحد لاختلاف المعطيات واختلاف الخصوم والآليات.
نعم لم يمنح مجلس 2012 الفرصة كاملة لإنجاز مشروعهم السياسي إلا أن تشكيل الأغلبية فيه لم يحمل حصافة سياسية تذكر وهو ما انتبه إليه لاحقا بعد خراب مالطا الرئيس أحمد السعدون الذي أعلن أن المعارضة مخترقة وكان ذلك واضحا حينما بدا التصادم بين مكونات هذه الأغلبية جليا إما لتحقيق طموح ومجد شخصي وإما لارتباط بعض شخوصها بدوائر متنفذين يهمهم إذكاء جذورة الصراع خدمة لأهداف غير معلنة لهم.
ولا يبدو أن ما تطرحه المعارضة حاليا من ضرورة الانتقال إلى حكومة برلمانية إلا ردة فعل لإقصائها عن المشهد السياسي الذي ظل رموزها يتحكمون بجزء رئيس من إدارته حيث لم يكن هذا المطلب على أجندتها حينما حظي أعضاؤها بقصب السبق في برلمان 2012 المبطل وكان أن اكتفت بإرسال إشارات تهدئة للسلطة السياسية أنه لا وارد لديها للتصعيد وأنها جاءت للعمل وهو ما لم تقبله السلطة التي رأت أن الاستقواء بالشارع لفرض أجندة معينة في مرحلة سابقة لا يمكن أن تعتبره نهجا مقبولا قد يكون ملجأ لقوى أخرى لاحقا الأمر الذي يتطلب تغيير المشهد السياسي لإنتاج قوى جديدة وأيا كان الرأي في مدى أحقية السلطة في الذهاب إلى ذلك الخيار فإنها جزئيا نجحت فيه إلا أن الخطورة تتمثل في غلبة اللون الواحد على ذلك المشهد ما يتطلب سيناريو جديداً ينتج لونا إضافيا ربما يتحقق في الدعوة إلى انتخابات جديدة بعد تحصين مرسوم الصوت الواحد قضائيا.
السيناريوهات المتوقعة من قبل المعارضة المفتتة حاليا أن يعمد أطراف فيها إلى الاستجابة للمشاركة في انتخابات جديدة طمعا في إضفاء حالة من الحيوية على المشهد السياسي الرتيب حاليا وربما عمدت أطراف كثر في تلك المعارضة إلى الخطوة الأكثر دراماتيكية حين تدفع بمرشحين لها من غير الرموز الحالية لاحتلال برلمان الصوت الواحد وانتاج مشهد مغاير لرغبة السلطة وهو ما لا يستبعد حدوثه مع ما تعورف عن تبدل مزاج الناخب الكويتي بين انتخابات وأخرى.
المعارضة الحالية لا يمكنها الاستمرار وفق المعادلة الحالية فهي تذوي رغم محاولات أساطينها نفخ الروح بها إذ وكما أسلفنا فإن اختلاف المكونات المنهجي والسياسي شكل ولا يزال عقبة في إمكانية الاتفاق على مشروع سياسي موحد لا تكون دوافعه ردة فعل لحالة الإقصاء السياسي الذي مورس بحق المعارضة أو حالة انتقام سياسي من أطراف بعينها وإنما مشروع دولة تتفق عليه تلك المجاميع.
نعم نجحت الحكومة في كتم الصوت المعارض القوي لها غير أن ذلك في العرف السياسي لا يعد نجاحا فأية حكومة لا يمكن لها معرفة أخطائها إلا بمعارضة جادة لها وهو ما تفتقده الحكومة الحالية التي يبدو أنها تدفع فاتورة باهظة الكلفة للمشهد السياسي الذي أنتجه مرسوم الصوت الواحد حتى الآن وهو ثمن لا يسهم في دفع تنمية جادة أو غرس مفاهيم وطنية حقيقية في المجتمع وانما يقوم على استرضاء الأطراف المشاركة في ذلك المشهد وهي سياسة مدمرة للمجتمع على المديين المتوسط والبعيد.
المصدر جريدة النهار
قم بكتابة اول تعليق