سامي خليفة: المتسوق السري

الفساد الإداري والتسيب في العمل واستبداد وطغيان المسؤول على الموظفين وفرضه لطبيعة عمل مملة أحيانا ومهينة أحيانا أخرى، وقتل مناخ العمل الإيجابي، واستنزاف طاقة ووقت وجهود العاملين في أمور تقليدية وروتينية، وقتل الإبداع وتجميد الكفاءات، وتمكين غير المستحق على حساب المستحق، وتوظيف القرارات وتجيير القوانين، وكسر اللوائح بما يتناسب ومصالح بعض المسؤولين الخاصة، وبناء المسؤول هالة لنفسه لا يستحقها، وغلق الأبواب على المراجعين وتسيير معاملات غير قانونية وعدم الالتزام بضوابط وأدب التعاطي الأخلاقي معهم.. كل ذلك هي من الأمراض الإدارية الشائعة في مؤسسات الدولة وأقسامها وإداراتها بشكل عام. ولا يمكن أن تنجح الحكومة في تسيير عجلة الإنجاز في البلاد – والذي تنشده ليل نهار ـ دون أن تتم معالجة تلك الأمراض سريعا، لأنها بصراحة هي المعرقل الأساس وحجرات العثرة التي تحول دون تحقيق حلم الإنجاز.
لقد أعلن سمو رئيس الوزراء في لقاء خاص بمجموعة من كتاب الرأي نيته البدء في المعالجة عبر ما سماه بالمتسوق السري، وهي وظيفة جديدة لمجموعة من المواطنين، الذين توكل إليهم مهمة الذهاب إلى مؤسسات الدولة للمراجعة حالهم حال أي مواطن آخر، ولكن بمهمة رصد طبيعة سلوك المسؤولين وقياس حجم التسيب وكشف التجاوزات إن وجدت، وأجمل ما سمعت من الشيخ جابر أنه قال إنه لن يتردد عن فصل أي مسؤول من العمل مهما كانت درجته ومسماه الوظيفي، ليكون عبرة لغيره.
وأنا بدوري أشد على يد رئيس الوزراء، وأحسب أنه من المهم اليوم أن يتم استهداف أم العلل التي تكمن في تلك الشخصيات التي تقلدت مواقع المسؤولية، وباتت حاجة الناس العينية بيدها وتمرير معاملات المواطنين تحت رحمة مزاجها، فجاء اليوم الذي على هؤلاء المسؤولين في إدارات الدولة ومواقع المسؤولية أن يترجلوا من أبراجهم العالية، ويقدموا الخدمة بأنفسهم، ويعملوا على خلق مناخ إيجابي يسهل على المواطن معاملاته الحكومية. بمعنى آخر جاء الوقت لتنقلب المعادلة من الوضع الحالي الذي يتعب فيه المواطن لإنجاز معاملته، إلى الوضع الذي يجب أن يكون عليه الحال، وهو أن يتعب الموظف كي يتمتع المواطن
بإنجاز معاملته.
المسؤول اليوم في إدارات مؤسسات الدولة وأقسامها لا يشعر بالرقابة الرادعة، ولا يعي خطورة سلوكه السلبي في مناخ العمل على الفساد الإداري العام الذي تعانيه الحكومة، لذا أحسب أن خطوة «المتسوق السري» ستكون بداية العلاج إن تم تنفيذها بالشكل الصحيح، ودون أي مداهنة أو مهادنة لأحد، وهنا.. وهنا فقط نقول إن سمو الرئيس بدأ الخطوة الأولى من سلم الإصلاح الحقيقي في معالجة الفساد الإداري في البلاد. وكل أملنا أن يبدأ كادر المتسوق السري بكبار الموظفين في الدولة فهم العلة وبهم يتم الإصلاح.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.