السفير الكوري الجنوبي كيم كيونغ، مِن على منصة كويتية ومن قلب عاصمة دولة الكويت قبل أيام، يطعن في الاقتصاد الكويتي ويبشر بشكل غير مباشر بإفلاس الدولة عام 2017 عبر استنزاف مدخراتها، مستشهداً بتقرير لم يعده هو ولم يشرف عليه، أصدره البنك الدولي منذ فترة. كلام السفير كان محل نقل وتداول في الصحف المحلية وبين المستثمرين والمواطنين، وكان أيضاً سبباً في التأثير على قرارات بعض المستثمرين، وربما سبّب هلعاً للمواطن والمقيم، وذلك بلا شك يدخل ضمن الممارسات غير اللائقة لدبلوماسي في البلد المضيف له.
أنا متأكد أنه لو أن أي سفير زميل للسيد كيونغ في أي دولة خليجية طعن في اقتصاد البلد المعتمد لديه لما بقي فيه بعد ذلك، ولكن حكومتنا للأسف ربما تكون مرتاحة لأي تقرير أو تصريح يتحدث عن احتمالات إفلاس الدولة وضعف اقتصادها، ضمن تصور ساذج بأنه يمكن استخدام ذلك سبباً في عدم التجاوب لمطالب شعبية، أو مبرراً لعدم إنجاز المشاريع الخدماتية الكبرى، ولا تعلم أن جرعات الرعب التي تروج عن إفلاس الدولة بين فترة وأخرى، وتنتشر بين العامة تدفع بالناس إلى موجة شراء العقارات في الخارج ونقل مدخراتهم إليه، لخلق شبكة أمان شخصية وأسرية بعد فقدانهم الثقة باقتصادهم الوطني.
في كل دول العالم تصر الحكومات على تأكيد متانة اقتصادها الوطني وملاءة نظامها المالي، بينما حكومة الكويت التي تسعى لتكون مركزاً مالياً واقتصادياً تصمت عندما يطعن البعض في اقتصادها، بل حتى سفير كوريا الجنوبية الذي يتنبأ بنفاد أموال الكويت بعد 4 سنوات، تسعى شركات بلاده بقوة للحصول على أعمال ومقاولات في الكويت تمتد أعمالها إلى أكثر من 6 سنوات… فكيف ستحصّل أموالها من دولة مفلسة يا سعادة السفير؟ أم أنك تجامل السلطة الكويتية التي ترتاح لمن يردد تلك الادعاءات؟ بينما وزارة المالية الكويتية، وفي بيانات رسمية، تؤكد أن فائض الدولة يقارب 60 مليار دولار خلال عشرة أشهر من السنة المالية، كما أن مراجع اقتصادية تقدر متوسط أسعار النفط في السنوات الخمس المقبلة بين 85 و120 دولاراً أميركياً، وهو ما يفوق السعر المفترض لتعادل الميزانية العامة للدولة، والذي يقدر بـ 70 دولاراً دون احتساب دخل الاستثمارات الخارجية.
أما بالنسبة لتقرير البنك الدولي فهناك تشكيك كبير في تقاريره ومدى مصداقيتها، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 ووضع البنك لتقارير خاطئة ومدمرة لم تتنبأ بالأزمة أو حتى تحذر منها، ويكفي ما تذكره دول في أوضاع حرجة اقتصادية مثل أيسلندا واليونان وأيرلندا عن دور البنك الدولي وتقاريره، وما يذكره البعض عن تلك التقارير التي كانت تصب في خدمة “كارتيلات” معينة ودعم عمليات خصخصة بعينها أدت إلى مشاكل اقتصادية كبيرة. والغريب أن البنك الدولي لا يسطر تقارير عن دول لديها نفس تركيبتنا الاقتصادية مثل الإمارات وقطر، وتدفع مميزات مالية لمواطنيها تفوق دولة الكويت، يتحدث فيها عن قرب إفلاسها، بل إن حكومة دولة الإمارات، رغم ما شهدته دبي من مشاكل بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، كانت تصر على تأكيد قوة اقتصادها وقدرتها على معالجة آثار الأزمة.
بلاشك، إننا في الكويت أمام تحديات اقتصادية جدية تتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وإيجاد موارد دخل إضافية، والبدء الجدي في تطبيق ضريبة الدخل على الشرائح العليا، لا ضريبة “الظلم والجور” المسماة “ضريبة المبيعات” التي تفرض على الملياردير والأرملة صاحبة معاش المساعدة الاجتماعية بنفس النسبة والمقدار، وعموماً فإن تغذية نغمة إفلاس الكويت وتعظيمها وعدم رد الحكومة عليها هي سلوك خطير سيفقد الداخل والخارج ثقتهما بالكويت ولن يفيد أحداً، ولذلك فإن إجراء حكومياً جاداً مطلوب تجاه سفير جمهورية كوريا الجنوبية المعتمد لدى دولة الكويت.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق