يبدو أن هناك ضحايا لما يسمى الحراك، على اعتبار أن كل المعارك لها ضحايا إلا معركة الطواحين، تلك التي كان فارسها دون كيشوت، ولن تسلم رؤوس الضحايا في تلك المعركة بالطبع لأن إرسال الرؤوس كهدايا انحصر على ما يبدو في نهاية العهد الأموي، وأجزاء كبيرة من العهد العباسي، وطوي إلى غير رجعة، وما نتحدث عنه اليوم هو تسليم رؤوس معنوي.
قراءتي أن هناك رأسين أو ثلاثة رؤوس يجري العمل على قدم وساق لتسليمها، في سباق من الصعب جدا أن يلمحه أحد، إلا إذا كان من أهل الخبرة في الشأن السياسي المحلي، وقد كلف بالمهمة مجاميع من داخل وخارج ما يسمى الحراك، ويظهر أن تلك المجاميع تعمل على عزل الرؤوس وتجهيزها حتى تستطيع أن «تحلق» لها عندما تكون الفرصة مواتية.
هناك بعض الرؤوس سلمت نفسها من خلال ارتكاب أخطاء يفترض بمن «تخضرم» في السياسة ألا يرتكبها، وهناك أخرى سلمت نفسها دون أن تدري في حقيقة الأمر ماذا تفعل، لكنها كانت تعتقد أن ما تفعله هو السياسة، وأن الأمر يحتاج إلى مماحكة هنا وأخرى هناك، وأن العملية تسير في
مسارها الصحيح.
هناك من تفاجأ بحجم الوهم الذي يعيشه، وعرف أن المشهد يجري تحضيره لمذبحة معنوية من نوع خاص، فآثر أن ينزوي بعيدا واختفى مبكرا، فلا تصريح ولا مشاركة في ندوة، وكأنما يعلن ندمه على انجرافه خلف العواطف بعيدا عن حكمة العقل، وهناك من أحس أنه وقع في المصيدة أو الفخ بعدما اكتشف أنه جرى بيعه بثمن بخس، وهناك من لايزال «يلعلع» على أمل أن يجد مخرجا، حتى ذلك الوقت وبين أولئك كثيرون سيحصل كل منهم على حصته كاملا إن سلبا أو إيجابا فلكل دوره.
المشهد اقترب من نهايته، وملامحه واضحة وضوح الشمس لكل من يحمل عقلا، ولم يتبق سوى «رتوش» تجميلية لن تخل كثيرا بالمعنى، لكنها تعطي بعدا خاصا لنهاية مأساوية، وكل ما تسرب عن ذلك المشهد يظهر فعلا كم هي الغرائز قادرة على التحكم بالبشر، وخاصة غريزة الجشع التي كانت حاضرة في كل مرحلة من مراحل الحراك، بالنسبة لبعضهم ستكون النهاية مأساوية، وبالنسبة للبعض الآخر ستكون مشوقة.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق