اختلاط الحابل بالنابل في الشأن الكويتي وتفاعله مع قضاياه الداخلية وتأثير الواقع الاقليمي بلغ حدا لا يطاق، بحيث أضحى من الصعوبة بمكان وضع اليد على نقطة البداية في مسار الإصلاح، وإن كان الجميع يتفق على شعارات عامة مثل ضرورة تطبيق القانون وغيرها.
ولعل الجميع يتفق على جملة من الشعارات العامة تلك، لكن المشكلة الحقيقية هي في مسألتين، أولهما تحديد التفاصيل العملية لتلك الشعارات العامة، والأخرى هي في ضعف مصداقية الكثير من المنادين بتلك الشعارات لوجود تاريخ طويل من التناقض الكبير بين الشعارات المرفوعة وبين الممارسة الحقيقية على أرض الواقع.
خذ عندك شعارات يتم الترويج لها من قبل بعض القوى المعارضة هذه الأيام، وهي تلك المتعلقة بضرورة القفز بنظامنا السياسي نحو النظام البرلماني الحزبي الكامل والحكومة المنتخبة، وهو عنوان كبير للإصلاح السياسي بلا شك، لكنه يقفز على كل المقدمات الطبيعية اللازمة لتجهيز الأرضية نحو نظام يستوعب ذلك، ناهيك عن أزمة علاقة الشرائح الاجتماعية في الكويت ببعضها البعض والتي تلقي بظلال من الشك على أي فصيل سياسي أو اجتماعي قد تقع بيده مقاليد إدارة الجهاز التنفيذي في دولة تم بناء هياكلها الإدارية وفق منظومة ريعية غير إنتاجية، وتعاني معظم أجهزتها من الترهل والفساد بكل أشكاله الإدارية والمالية وغيرها، كما تتداخل مفاهيم المحاسبة والمسؤولية فيها مع جملة من الأعراف الاجتماعية التي تتدخل دائما لاستثناء هذا الطرف أو ذاك من تحمل تبعات أخطاء أو جرائم قد يقع فيها باختياره أو رغما عنه!
نعم، نتفهم بشكل كبير وبتعاطف صادق، حجج الفريق المسوق لفكرة الحكومة المنتخبة المرتكزة على فشل النموذج المعتمد في إدارة السلطة التنفيذية عبر عقود بالدفع في عملية التنمية في البلاد، إلا أن لهذا الفشل أسبابه الموضوعية والتي تتحمل منها الحكومة القدر الأكبر، إلا أن لنا كتشكيلات اجتماعية وسياسية ونخب مثقفة نصيبا معتبرا من اللوم تجاه الركون لمبدأ التغيير من القمة دائما، وعدم القيام بواجبنا نحو خلق الأرضية اللازمة للقبول بفكرة تحمل أحد أبناء الشعب مباشرة لمهام قيادة دفة السلطة التنفيذية، فالشك العميق هو القاسم المشترك في نوايا جميع الأطراف تجاه غيرها!
إن استخدام حجة أن الديموقراطية لا ينصلح حالها أو يقوم مسارها إلا بالمزيد من الديموقراطية هو استخدام مثير للاهتمام في واقعنا الكويتي، ولا أبالغ إن قلت ان الكثيرين يعتقدون بخطئه في حالتنا، والسبب بكل بساطة هو في ظلال الشك القاتمة المظللة لمجمل واقعنا، فما زال التساؤل مشروعا عن ماهية ممارستنا السياسية في الكويت، وهل هي في الحقيقة عملية ديموقراطية أصيلة، أم أنها جملة من عمليات الاقتراع يصاحبها هامش لا بأس به من حرية التعبير السياسي، فقط لا غير!
إن الديموقراطية التي لا ترتكز على مقومات أساسية كحقوق الانسان وأصالة التعايش وحقوق الأقليات والحريات الدينية والفكرية والاجتماعية والسياسية ونبذ خطاب الكراهية والتخوين هي في جوهرها شيء لا يستحق نعته بالديموقراطية..
بل هي كما أسلفنا.. عملية اقتراع.. يفوز فيه الأعلى صوتا.. والأكثر تماهيا مع هذا الواقع التعيس!
Twitter: @alkhadhari
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق