إقبال الاحمد: المفتاح الذهبي لمشكلة الوافدين

أجمل ما في الانتقاد أنه يلفت النظر إلى خلل ما.. وأجمل رد فعل له عندما يكون مهنيا بالدرجة الأولى، ومبنيا على دراسة متأنية وواضحة بعيدة كل البعد عن رد الفعل الفوري والسريع.. سعيا وراء الإصلاح المستعجل، خوفا من أي انتقاد آخر ومكرر.
وزارة الشؤون من أكثر الوزارات التي تراكمت فيها قضايا الرشوة والفساد وانتشار البيروقراطية منذ سنوات طويلة لم تعالج فيها كل هذه الأمور، حتى تسلمتها الوزيرة ذكرى الرشيدي، فوجدتها مثقلة ومتخمة بمشكلات، أتمنى من الله أن يساعدها ويعينها على حلها، وهي لا شك قادرة بتعاون المحيط معها.. لأنها لم تشخص المرض بدقة وتصف الدواء له.. بل هي كمن يصف دواء لمن يشتكي شفهيا من أعراض عامة من دون أي تحليلات أو أشعة.
ويبدو أن المعالجات السريعة بسبب كثرة الانتقاد في الإعلام قد ساهمت في بعض القرارات غير الدقيقة وغير المجدية والتي يمكن أن توصف بأنها تخبطية نوعا ما.. وإلا ما علاقة مشكلة ارتفاع نسبة الوافدين بتحديد فترة إقامتهم بمدة محددة؟
أذكر جيدا عندما فقدت الكويت بعد الغزو مباشرة خبرة طبية ممثلة في الدكتور جورج أبونا المتخصص بزراعة الكلى.. والذي ساهمت الكويت نفسها من خلال سنوات عمله الطويلة في مستشفياتها في تعزيز خبراته الممتازة أصلا.. ووصول صيته إلى المستوى العالمي، حيت تميزت الكويت بزراعات الكلى آنذاك.. حين رفضت منحه الجنسية الكويتية، فتلقفته فورا دولة أخرى.. وذلك في إطار سياسة معالجة خلل التركيبة السكانية.. ففقدنا خبرة كانت يمكن أن تحسب على الكويتيين، فتضيف لهم كثيرا أفضل من آلاف من جنسوا وأصبحوا عالة عليها، بسبب تخلفهم وجهلهم ومحدودية علمهم.
المهم بالموضوع أن مشكلة ارتفاع نسبة العمالة مفتاحها الكبير والمذهّب والمرصّع بالأحجار الكريمة هو في تجّار الإقامات الذين سيقع كل أصحاب الأعمال في الكويت ضحيتهم، لأنهم هم من سيدفعون ثمن القرارات التخبطية التي ستعالج قضية بمفاتيح كثيرة صغيرة لن تفلح في فتح الباب الأساسي والكبير الذي لا يفتحه سوى المفتاح الكبير المذهّب المرصّع بالأحجار الكريمة.
وإلا، لا يعقل أنه وبعد أن يتم تدريب أي عامل على عمل ما ويتقنه ويكتسب خبراته فيها.. يغادر.. مشكلتنا ليس بكثرة العمالة بل برداءتها.. ابقوا الجيد وتخلصوا من العمالة السائبة في الشوارع التي تكد وتتعب لتدفع لهوامير الإقامات.
بالعكس.. من بقي في عمله من الوافدين سنوات طويلة دليل على حسن سلوكه وخبرته في المجال الذي يعمل فيه.. حتى الخادم إذا ما بقي سنوات طويلة في مكان واحد، فهذا دليل يسجل له وليس ضده.. لأنه لم يرتكب أي خطأ، وإلا لاستغنى عنه صاحب العمل فورا.. فنكافئه بالتسفير؟
أعلم معالي الوزيرة أن ملف الشؤون مثقل والضغط عليك كبير.. ولكن يجب ألا نعالج الخطأ بخطأ أكبر.. كلما درس الموضوع بتأن وهدوء وبعيدا عن ردود الفعل، كانت النتائج واضحة وناجحة.. فدستور الكويت جاء متكاملا وعظيما، لأن من ساهم بوضعه درس كل صغيرة وكبيرة، واضعا كل الاحتمالات الحالية والمستقبلية نصب عينيه.. فهو لم يعالج وضعا آنيا.. بل تجاوزه كثيرا إلى مستقبل يحمل كل الاحتمالات والتوقعات.. وكل الظروف.
إن موضوع إصدار القرارات وتغييرها يوما بعد يوم لا يحل المشاكل بل يزيدها ويعقدها.. فما أن نبدأ بالعمل وفق قانون معين.. حتى ينسف القانون الجديد كل ما قمنا به.. لنبدأ من جديد بمعايير جديدة لا تأخذ بالاعتبار الانضباط الذي تم وفق القانون القديم.. بل قد تجد القانون الجديد يعاقبنا عليها.
تجّار الإقامات.. تجّار الإقامات.. تجّار الإقامات.. تجّار الإقامات.. تجّار الإقامات.. تجّار الإقامات.. افضحوهم الله يخليكم.. وسنصفق لكم كلنا تصفيقا يسمعه من في موريتانيا.

إقبال الأحمد
iqbalalahmed0@yahoo.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.