“وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (المائدة 2).
أعتقد أن إقليمنا الشرق أوسطي يمر حالياً بمرحلة تاريخية غامضة تتأرجح بين الالتجاء العدمي لحكم الشارع أو تكريس مجتمعات ديمقراطية بناءة وسلمية يتعاون فيها أبناء الوطن الواحد لما فيه تحقيق مصالحهم المشتركة. وبالطبع، الأكثر عقلانية ومنطقية، بل والأكثر ديمقراطية ومثالية هو التزام الجميع بالحفاظ على أمنهم الوطني وسعيهم الى تقوية النسيج الاجتماعي في ظل تطورات عالمية يصعب التكهن بنتائجها اللاحقة. أي أن العقلاء والحكماء والمواطنين المخلصين لأوطانهم من المفترض أن يسعوا بصدق نية الى المساهمة مع أبناء وطنهم الآخرين لاستتباب الأمن في مجتمعاتهم وعدم الاحتكام للشارع زعماً في إيجاد حلول لقضاياهم السياسية المحلية. فالاحتكام للشارع وإثارة الأزمات المفتعلة بين أبناء الوطن الواحد رغبة في إطالة أمد الجدل السياسي العقيم وبغية تحقيق مصالح فكرية ضيقة ستجر الخراب والدمار على المجتمع. وستضيع الوقت الثمين والذي من المفترض أن يستثمره المخلصون لأوطانهم في تكريس وحدة وطنية شاملة تحقق الأمن والأمان والمعيشة المطمئنة لكل أبناء البلد.
العاقل هو من يستخلص الدروس والعبر من تجارب الآخرين. فمن يراقب ما يجري حولنا من أزمات سياسية حادة ومن منازعات عدمية يدرك أنها جلبت الخراب والدمار للمجتمعات الآمنة والمستقرة سابقاً. فلم يدخل الجدل السياسي العقيم والتنافس السلبي لتحقيق المصالح السياسية الضيقة مجتمعاً إلا عاثا فيه فساداً. فما تجلبه الأزمات المفتعلة واللجوء للشارع سعياً وراء التكسب الانتخابي والبهرجات الاعلامية وسعياً الى اقصاء الآخرين هو ترسيخها لكراهية مفبركة ولتنافر مصطنع بين من هم أولاً وأخيراً أبناء وطن واحد.
إضافة إلى ذلك، الاحتكام للشارع ليس بالضرورة أن يشير فقط إلى الخروج في مسيرات غير مرخصة، بل يشمل كل أنواع التحريض على الخروج عن الثوابت الوطنية. على سبيل المثال، محاولة البعض الترويج لرأي نشاز لا يتناسب مع سياقنا التاريخي والاجتماعي الكويتي مثل “الحكومة المنتخبة” سواء حدث ذلك في الدواوين أو عبر الندوات السياسية يتناقض مع تكريس ديمقراطية بناءة وشاملة. فمحاولة التحريض على الاستهانة بالنهج الديمقراطي والدستوري المعتدل والذي يتفق عليه كل الكويتيين يعد أيضاً إحتكاماً للشارع. هيهات إذاً لو يدرك البعض أن افتعال الأزمات في بيئتنا الديمقراطية التوافقية يأتي عادة بنتائج سلبية للغاية ستضر من يثيرها وستمنعه من المشاركة مع أبناء وطنه الآخرين في صناعة حاضر ومستقبل الكويت. فلعل وعسى.
المصدر: جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق