كانت قاعة عبد الله السالم في يوم الثلاثاء 8 مايو الماضي وخلال الاستجواب الذي قدمه النائب محمد الجويهل إلى النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ أحمد الحمود ليست كغيرها مثلما كانت في مرات سابقة، هذه القاعة التي شهدت أحداثا كبيرة وسجالات ومناقشات ومواقف سجلها تاريخ الكويت الديموقراطي بأحرف من نور .
جاء الرئيس السعدون في منتصف النهار بعد ان رفع نائب الرئيس خالد السلطان الجلسة عقب الخلاف حول لافتة الجويهل (الكويت للكويتين ) والتي أقرت الاغلبية رفعها ورفض الجويهل وتدخل سمو الرئيس الشيخ جابر المبارك لنزع الفتيل واكمال الجلسة.
وتتوالى الاحداث “المبكيات المضحكات” من سجلات وشتائم واشتباكات وملاسنات واطلاق اسماء ونعوت بغيضة لا تليق بصبيان يتعاركون في الشوارع، فما بالك بقاعة الشعب وممثلي الامة وحملة لواء التشريع والرقابة على أعمال الحكومة.
جلس الرئيس أحمد السعدون شارد الذهن وأخذته الذاكرة إلى الماضي، لحظات شرد الذهن إلى وقت مضى بينما ظل الجسم والمطرقة فقط في القاعة وذهب الخيال بعيدا.
تذكر الرئيس وقوف جاسم القطامي في ثانوية الشويخ عام 1959 قبل اعلان الدولة الحديثة واعلان الدستور عندما قال “آن الآوان لأن يكون للشعب نوابه ووزراؤه ودستوره”.
وسرح الخيال بالرئيس السعدون للجلسات الاولى عندما استقال النواب الثمانية برئاسة عبد العزيز الصقر انتصارا لمبادئهم عندما كانت القضايا الكبرى والمصلحة الوطنية هي المحرك الرئيسي، وتذكر الرئيس استجوابات محمد الرشيد في مجلس 1963 لوزير الشؤون مشاري الروضان واستجواب راشد التوحيد للشيخ جابر العلي وزير الكهرباء والماء في مجلس 1963 وهو أول استجواب لوزير من ذرية الشيخ مبارك الصباح واستجواب النيباري والغنام والمنيس لوزير التجارة خالد العدساني في مجلس 1971 واستجواب خليفة الجري لوزير الصحة د. عبد الرحمن العوضي في مجلس 1982 واستجواب مفرج نهار لأحمد الربعي في مجلس 1992 واستجواب المنيس والمليفي والعصيمي لناصر الروضان في مجلس 1996، وشرد الذهن بعيدا الى استجواب الاعضاء الدويلة والربعي والجوعان للشيخ سلمان الدعيج وزير العدل.
وعادت الذاكرة السعدونية مع رحلة الزمن البرلماني الجميل إلى عام 1985 متذكرا حديث النائب مبارك الدويلة بعد الافتتاح بقوله “أنا خائف من تحول جلسات مجلس الامة من مناقشات موضوعية مثمرة إلى جلسات تسجيل مواقف والحرص على مراعاة مانشتات الصحف والصور في الجرايد”.
أحمد الخطيب عام 1985 عندما قال “كان بودي ان يتضمن الخطاب الاميري التشديد على ضرورة المحافظة على الوحدة الوطنية لأن أعداء الكويت يحاولون النيل من الكويت البلد الديموقراطي ويحاولون إثارة الفتنة عبر الاقلام المأجورة لاثارة التفرقة الطائفية والقبلية والعنصرية للعصف بالكويت”.
واستمر الذهن الشارد إلى جلسات استجواب سابقة أو جلسات أخرى وكيف كان الحوار مع شدة الاختلاف في الرأي.
وفجاة توقف قطار الذكريات الجميلة وتنبه الذهن الشارد بعيدا في رحلة برلمانية طويلة إلى مشهد لم يمر عليه طوال مسيرته البرلمانية نائب ورئيس ونائب للرئيس وهو قفز عدد من جنود الحرس الوطني وكأنهم في عملية اقتحام لأحد المواقع الحصينة أو السيطرة على عملية ارهابية، وانتبه إلى سيل من الشتائم تجري في جنبات قاعة عبد الله السالم والبعض الذي رفع عقاله لتأديب عضو آخر والجمهور يصيح مهللا فرحا بهذا المشهد المأساوي الذي شهدته القاعة.
انتبه الرئيس إلى لغة الخطاب والألفاظ التي تساقطت على مسامعه “انثبر … اسكت يا حرامي … جب … اكل تبن … تخسى … شلون يضبط القعدات .. يا خبل .. الخبل انت واشكالك”.
وأفاق الرئيس من الحلم الجميل الذي ذهب به بعيدا إلى المجالس السابقة عندما كانت هناك مدارس يتعلم منها الجميع الحوار العقلاني الرشيد وكانت القضايا الكبرى هى أساس الحوار والخلاف والاختلاف، وعاد الذهن المنهك إلى واقع مرير ورفع المطرقة لفصل جديد في واقع معاش.
المصدر: جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق