وصلتني بعض الرسائل من أصدقاء بعضهم شارك في الحراك السابق، تعبر عن اشمئزازهم مما يجري بين رفاق درب النضال، من شتائم وتطاول على بعضهم البعض، دون أن يكون هناك اعتبار لعدد من الحقائق، أبرزها أن النوايا لا يمكن محاكمتها والمواقف لا يمكن تفسيرها، وفقا لمعاييرنا الخاصة، فكل شخص يمتلك جزءا من الحقيقة، ولا يجوز مصادرة ذلك الجزء لمصلحتنا، انطلاقا من حق كل شخص في التعبير عن رأيه.
الحقيقة الثانية، أن غياب التنظيم عن الساحة السياسية يبقيها في أجواء الفوضى والفردية، وتلك الأجواء تسمح بإطلاق الغرائز وهي الجزء غير البشري في الإنسان، لتتسيد الساحة ولا تسمح للعقل بأن يكون هو السيد، مما يستدعي أن يكون هناك مشروع حكومي جاد لتنظيم العمل السياسي تحت أي مسمى كان، فالاسم ليس مهما بقدر المضمون، حتى يمكن تجنب أجواء غريزة البقاء البدائية.
يقول أحد الأصدقاء إن الشتائم والتطاول ليسا غريبين، خاصة أنهما ليسا نتاج اللحظة الراهنة، فقد سبقاها بفترة طويلة في جلسات مجلس الأمة ومن نفس الأشخاص الذين يتبادلون الشتائم حاليا، لكنهما في ذلك الوقت كانا موجهين للآخرين من أبناء الأسرة الحاكمة أو من أعضاء في الحكومات السابقة، ولم يكن يلتفت أحد على اعتبار أنهم نواب ولا يحاسبون على ما يقولون.
وقال آخر: التطاول لم ينحصر في أبناء الأسرة الحاكمة أو أعضاء الحكومات، بل بلغ مداه بالتطاول على رمز البلد سمو أمير البلاد ورموز دينية وعائلية، ولم تستثن شريحة من شرائح المجتمع إلا وحصلت على نصيبها من سلة الشتائم تحت ذريعة حرية الرأي، والمصيبة ـ كما يقول ـ أن شبابا صغار السن في «تويتر» و«الفيس بوك» لا يستثنون أحدا من شتائمهم، ويرون في ذلك نضالا ومحاربة للفساد.
كان الرد على ما طرح أن تلك أعراض الحالة، ومادام هناك تشخيص شعبي لها فلا حاجة إلى إعادة طرح ما يدور على ألسنة المواطنين، من اشمئزاز وتبرم وامتعاض من مثل ذلك الوضع، وليكن العمل في المرحلة المقبلة منصبا على كيفية التخلص من الفردية في العمل السياسي، فهي أساس كل التردي الذي نمر به، وهذا لن يكون إلا من خلال تطوير الواقع السياسي وطرح مشروع إشهار الجماعات السياسية، فالشتامون لا يبنون وطنا وينبغي التخلص منهم ديمقراطيا.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق