نظام الكويت «الديموقراطي»، كما فصلته المذكرة التفسيرية، هو مزيج من النظام الرئاسي والنظام البرلماني. ليس نظاما رئاسيا كاملا لان الحكومة، رئيسا ووزراء، مسؤولون امام البرلمان. وليس نظاما برلمانيا كاملا لان البرلمان ليس هو الذي يعين الحكومة، بل رئيس الدولة.
المذكرة التفسيرية، التي عنيت بالترويج لهذا النظام الفريد، اشارت الى ان الرغبة في «استقرار» الحكم هي الدافع لاختياره، وحددت نقاطا عديدة لضمان استقرار الوزارة، هي في الواقع دعائم الاستقرار في النظام السياسي الكويتي. لكن المذكرة التفسيرية ايضا اشارت الى ان هناك ضمانات تحد من الضمان «الدائم» لاستقرار الحكومة، اهمها الرقابة البرلمانية واداة الاستجواب التي تشكل السلاح الفعال في جعل النظام الكويتي يميل الى الجانب البرلماني او الشعبي، كما اطلقت عليه احيانا المذكرة التفسيرية عوضا عن النظام الرئاسي. واهم من هذا هناك رقابة «الرأي العام» التي هي في نظر المذكرة التفسيرية حجر الزاوية او العمود الفقري في برلمانية الحكم او شعبيته. ورقابة الرأي العام تشكلها او توفرها مجمل الحريات العامة التي ضمنها الدستور للناس.
في التطبيق العام، وبعد مضي ما يقارب نصف القرن على العمل بهذا النظام الفريد ـــ مع بعض التوقف بفعل حل مجلس الامة ــــ فإن الواضح ان هذا النظام فشل في توفير الاستقرار للحكم. خصوصا في عهد الشيخ ناصر المحمد الذي شهد تجاذبا عنيفا بين الحكومة والبرلمان، ادى الى استقالتها مرات، وحل مجلس الامة وتغيير الدوائر الانتخابية ايضا مرات. وبسبب الازدواج الكامن في النظام السياسي الكويتي، فانه تم اسقاط الحكومة او زعزعة الاستقرار الذي نشده المشرع الكويتي بازدواج ايضا، مرة من خلال البرلمان وباستخدام الادوات البرلمانية المتوافرة حين منعت الاغلبية البرلمانية في مجلس 1963 الحكومة الوطنية من اداء القسم، ومرة عبر الرأي العام في ساحة الارادة، حين نجحت جموع من المواطنين في فرض اقالة الحكومة.
أي ان الاستقرار الذي كان ينشده المشرع الكويتي من وراء هذا المزيج الفريد للنظامين الرئاسي والبرلماني لم يتحقق. بل ان اداة الاستجواب التي عولت عليها المذكرة التفسيرية لاستقرار الحكم تحولت، وبالذات بعد التحرير، الى اداة لزعزعة الاستقرار ولتواتر حل المجلس او استقالة الحكومة. هذا ما اكده صاحب السمو امير البلاد في تصريحه لمجلة «فرانكفورتر الجماينة تسايتونغ» الالمانية حيث نوه بأن المعضلة تكمن في طبيعة النظام المزدوج في الكويت.. خطأ البرلمان في أداء وظيفته يعود الى الدستور الكويتي، لأن هذا الدستور يمزج بين النظامين البرلماني والرئاسي، ولذلك فلا هو رئاسي صرف ولا برلماني بالمطلق، وانما هو يجمع بينهما معا، وهذا الوضع يؤدي الى تداخل السلطتين التشريعية والتنفيذية. ليس هذا وحسب، بل ان الملاحظ في السنوات الاخيرة حدوث ميل «غير دستوري» تجاه النظام الرئاسي عماده تخاذل مجالس الامة الاخيرة.. هذا طبعا بالاضافة الى التقليص المتواصل للحريات، او بالاحرى التضييق على تشكل الرأي العام الذي بدأ مع اقرار قانون المطبوعات، ثم التصدي للتجمعات، واخيرا التقييد الحالي المبالغ فيه على حرية التعبير، سواء على الانترنت او في الساحات والشوارع العامة. مما ادى بشكل واضح الى اضعاف رقابة الرأي العام التي عولت عليها المذكرة التفسيرية لضمان شعبية الحكم.
حاليا هناك جهود حثيثة من قبل الهيئات والجماعات السياسية الشعبية لتعزيز شعبية او برلمانية الحكم، وصل بعضها الى الدعوة الى الحكومة البرلمانية الكاملة. في المقابل هناك مع الاسف جهود، حثيثة هي الاخرى، من قبل السلطة بمعاونة «معظم» اعضاء المجلس الحالي لجر البلاد لميل أكثر تجاه النظام الرئاسي في تعارض صريح مع المشرع الكويتي، الذي أكد ان الميل يجب ان يكون تجاه النظام البرلماني والا فقد النظام ديموقراطيته وتحول الى نظام ملكي أو رئاسي تنعدم فيه السلطة والرقابة الشعبية على الحكم.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق