عبداللطيف الدعيج: خمسون سنة تراجعاً

إن المؤكد الذي لا شك فيه، هو ان النظام السياسي للكويت لم يتطور كثيرا عن بداياته التي ترافقت مع الاستقلال. بل الملاحظ ان الثلاثين او ربما الاربعين سنة الماضية حفلت بتراجع حضاري او تنموي، رافقه في الوقت ذاته تراجع سياسي او توقف عن النمو والتطور. ولا شك ان السلطة واطرافاً متسلطة في النظام كانت مسؤولة عن التراجع المدني والسياسي الذي حل بنا ولا يزال يعطل مسيرتنا الحضارية حتى الآن.

لكن ليست السلطة وحدها المسؤول الحقيقي. إذ ان القوى الوطنية ومعها ايضا في الفترة الاخيرة مجاميع الردة الاجتماعية شاركت بفعالية وحسم في تكريس التخلف، وفي إلهاء الناس عن القضايا الرئيسية والحقوق الاساسية للأمة والناس، التي تم تعطيلها ومحاصرتها من قبل مجاميع الردة الاجتماعية والسلطوية.

لقد حصرت المجاميع السياسية نشاطها الكلي، منذ التحرير، في مزاعم الدفاع عن المال العام، بل في سنوات التسعينات العشر كلها في قضية الناقلات وحدها. هذا الى جانب دواعي محاربة الفساد واستنزاف الثروة الوطنية، رغم انها هي، وبالذات في صورتها النيابية، هي المستنزف الحقيقي والمبذر الاول والاخير للمال العام. كما انها هي الداعم والراعي الاساسي للفساد الذي يمارس يوميا على شكل تجاوزات ادارية وتعديات يومية للمواطنين ونوابهم على خدمات الدولة ومرافقها. كل النشاط كان موجها للدفاع المحموم والمزعوم عن المال العام. حتى الازمة الكبرى التي ادت الى اقالة حكومة الشيخ ناصر وحل مجلس الامة كان سببها ومحركها «المال» او الرشوة رغم ان المال المستخدم حسب الزعم لم يثبت انه مال عام او من املاك الدولة.

ان النشاط السياسي سواء للمعارضة التقليدية او لمن انحرف من المجاميع الموالية للنظام عن تأييده، تركز في الدفاع عن «مجلس الامة» وعن المحاولات السلطوية الحقيقية او المزعومة لتقليص صلاحياته وتحديد مجالات الرقابة والتشريع الممنوحة دستوريا له. بينما بقيت سلطات الامة الحقيقية وحقوق الناس المبدئية عرضة للتحجيم والتضييق من دون ان يثير هذا معارضة او حتى اهتماما عابرا للساسة والناشطين في «معارضة» السلطة. بل انه في كثير من الحالات كانت المجاميع السياسية والقوى النيابية عونا للسلطة في تحجيم الحريات وفي مصادرة حقوق الناس. ومن الممكن ملاحظة هذا في الموافقة الجماعية والتهليل الذي قوبل به قانون المطبوعات المخزي، والقبول والخنوع لوجهة نظر السلطة في تفسير حق التجمع، بل ان جماعة المقاطعة بزوا السلطة كثيرا في ما يسمى بقانون اعدام المسيء. الغريب ان الجماعة الذين قدموا قانونا يعدم من يسيء لشخصيات تاريخية بعضها مختلف بشأن اهميته يعترضون هذه الايام بشدة على سجن سنوات او حتى شهور لمن يسيء الى أمير البلاد ويقل أدبه على المقام السامي!

ان النظام الديموقراطي الكويتي يفقد شعبيته بشكل متسارع، والشعبية المقصودة هنا هي التي حددتها المذكرة التفسيرية وهي الجانب «البرلماني» في النظام. ان الحريات تتراجع، والحقوق العامة للناس والافراد تغتصب او يتم التغاضي عن انتهاكها. وهذه الحريات والحقوق هي المكون الحقيقي للرأي العام وهي الجانب المشرق ربما الوحيد في الدستور الكويتي.. لكن السلطة معنية بتحجيمها والمجاميع السياسية مشغولة بحماية المال العام.. وهذه الايام بمحاربة طواحين الهواء.. او الفساد.

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.