عبداللطيف الدعيج: الجويهل تربيتكم وأفضِّله على ثلاثة أرباعكم


أولا وبادئ ذي بدء، وحتى لا يروح الرعايا العرب بعيدا كالعادة، من الضروري التنبيه انني لست، بل لم اكن مؤيدا للنائب الجويهل في اي من طرحه، اللهم الا ما يتعلق بإثارة قضية المزدوجين، علما بأن هذه القضية اثيرت من قبل شخصيات وطنية منذ بداية التجنيس. وكل ما فعله السيد الجويهل، مع الاسف، انه ألبسها لباس التطرف والعنصرية، مما جعل امر استنكارها والتصدي لمن يحاول إبراز خطرها، أو على الأقل تأثيرها السيئ امرا سهلا، وطنيا وشعبيا. وكنت اول من حث ناخبي الدائرة الثالثة بموضوعية ومنطق على ضرورة ممارسة حقهم الانتخابي كمواطنين، وليس كـ «بلوك» يوجهه بعضهم كيفما شاء. لكن ناخبي الدائرة الثالثة أو اكثر من ثمانية آلاف منهم اصروا على انتخاب السيد الجويهل، وهذا حقهم، تماما مثل حق الذين انتخبوا شخير ومناور، وممن انتخبوا نوابا كثيرين ايضا، ممن يكونون ربما اكثر تهذيبا من الجويهل، ولكنهم ليسوا اقل خطرا منه. بل اثبتت الجلستان الاخيرتان ان النائبين المشار اليهما، وغيرهما ايضا يبزانه تطرفا وتعصبا واذى مكبوتا للآخرين.

في الواقع اغلب نواب مجلس الامة سقطوا في الامتحان، واثبتوا انهم ليسوا افضل حالا من السيد الجويهل. ففي الجلسة الاخيرة كانت لغة اكثرهم امتدادا للغة الجلسة التي سبقتها بل اسوأ بكثير. وقبل هذا المجلس استخدم نواب في المجالس التي تلت التحرير، استخدموا الطفايات وتبارزوا بالعقل، ورفع بعضهم الاحذية، وتمت اكثر من هوشة، وتمت مفاككة اكثر من نائب. النائب الجويهل لم يفعل اكثر من انه انضم إلى «الجوقة». فرجاء من اعضاء مجلس خالد سلطان ألا يتحاملوا على الجويهل فقط. لا نعترض على قرار المجلس، أو على تطبيق اللائحة، لكن نذكر انها ستكون اساسا للتعامل، وسابقة يقاس عليها موقف مكتب المجلس، مما قد يرتكبه النواب الآخرون. والجويهل محترف على ما يبدو في استفزاز الآخرين، وقد نجح كثيرا حتى الآن، وربما لم يسلم منه الا الرئيس السعدون الذي فوت عليه احلامه في الجلسة الاخيرة.

ولمكتب المجلس نعيد إلى الاذهان واقعة إلقاء القبض على الصحافي حامد بويابس وتكبيله وارساله في لحظتها مخفورا – من قبل الرئيس في ذلك الوقت، احمد السعدون – إلى النيابة، بتهمة الاعتداء على نائب الامة مفرج نهار، علما بأن الاعتداء كان متبادلا، ولم يعلم احد وقتها، وربما حتى الآن، من كان البادئ. النائب، ممثل الدائرة الثالثة محمد الجويهل زعم بأنه تمت محاولة الاعتداء عليه، و«تأديبه» من قبل عباس الشعبي، وحرس المجلس وفق رواية القبس، و«الجريدة»، استهزأوا به ورفضوا الشهادة له… فما موقف مجلس ابي الوليد من حرس المجلس، ومن السيد عباس الشعبي الذي نحترمه كسياسي نشط، ولكن ليس إلى حد التعدي على نائب يمثل الامة، لا لشيء إلا لأن اخلاقه، أو سلوكه لم يعجبا السيد عباس وجماعته!

***

ثقافة الاقتحام والاتهام

عباس الشعبي مواطن لا شك غيور، وحريص مثل كثيرين على المصلحة العامة.. ويؤلمنا كثيرا ان نحرض عليه. لكن نعتقد انه قد تجاوز حده. ومضى بعيدا في تعصبه وانحيازه لرموزه وضمائره. مضى إلى درجة تطبيق القانون أو الحد بنفسه، وعلى نائب، بغض النظر عن موقفنا منه، فإنه لا يزال نائبا يمثل الامة بأسرها، وليس الثمانية آلاف ناخب ممن انتخبوه في الدائرة الثالثة. فوفقا للمادة 108 «عضو مجلس الامة يمثل الامة بأسرها»، ومحمد الجويهل لحظة خروجه من مجلس الامة كان ولا يزال برغم كل ما يقال عنه، وما يسلكه عضوا يمثل الامة بأسرها.

عباس الشعبي لم يكن وحيدا في انتهاك القانون والتمرد على القواعد والاصول، فهو استقى كل هذا من الرموز والضمائر. فهم من اقتحم مجلس الامة «وعباس كان في المعية»، ومجلس ابي الوليد من صنّف الاقتحام على انه انقاذ واصلاح. وهم من اقتحموا قناتي الوطن وسكوب، وهم من حرقوا مقر المرشح الجويهل، وهم من شتموا عبد الحميد دشتي في المجلس، وهم من قذفوا الجويهل بالحذاء، وهم ايضا من دانوا رئيس مجلس الوزراء بلا دليل، وهم من حكموا على حكومة ونواب المجلس السابق بالرشوة. باختصار ان كل القواعد والاصول، والقوانين وحتى مواد الدستور يضرب بها عرض الحائط من قبل نواب المقاطعة والرعايا العرب، ممن يقتفي اثرهم، واعتداء عباس الشعبي «المزعوم» على النائب الجويهل ما هو الا استعراض عملي لافكار المعارضة الجديدة ومبادئها وعقليتها.

***

أفضل من ثلاثة أرباعكم

نواب المعارضة الجديدة يتسابقون على لوم ناخبي الدائرة الثالثة على انتخاب الجويهل، ونبيل الفضل ايضا، علما بأن نبيل الفضل رغم عدائه المتأصل لنا، لا يزال في نظرنا كمحايدين ومنصفين وحقانيين «من افضل نواب المجلس الحالي اداء والتزاما بقواعد العمل البرلماني، والدستور واللائحة الداخلية لمجلس الامة»، ونضع كل هذا بين قوسين للتركيز عليه. في حين ان النائب محمد هايف الذي «كشت» بالسلام الوطني، واستهزأ عند قسمه بالدستور، يطالب نواب الدائرة الثالثة باكثر من الندم على انتخابهم الجويهل! وماذا عمن انتخبك يالحبيب، واصحابك من مثل شخير ومناور الذي يريد ان «يطشر» مخ من لايعجبه؟ أليس من انتخبك وبقية جماعتك يستحقون اللوم وفق منطقك واحكامك؟ نحن لا نلوم احدا، فالكل يمارس حقه ويدلي بصوته، والكل متساو في ممارسة حقوقه. لكن يبدو ان نواب المقاطعة لديهم تصنيف وتوزيع للناس، يضعون ناخبي الدائرة الرابعة بالذات وخياراتهم فوق الجميع… ومع هذا لا يتركون فرصة لا يتهمون غيرهم فيها بالعنصرية!

***

ليس بالإمكان فصل الجويهل

نواب المقاطعة وفقا لديموقراطيتهم الغريبة ودستورهم «السهل عليهم والممتنع» على الحكومة يريدون ان يفصلوا النائب الجويهل. وكأن مجلس الامة مدرسة ابتدائية، وليس برلمانا ينتخبه الشعب، وينظم وجوده دستور وعلاقاته لائحة داخلية وقوانين. ليس من الممكن فصل النائب الجويهل، وليس في الدستور ما يبيح ذلك. بل ان فيه تحصينا عظيما للنائب حتى من مجلس الامة، ومن الخمسين نائبا والحكومة التي صنعتهم. ليس هناك سلطان لاي «هيئة» على عضو مجلس الامة، ومجلس الامة هيئة أو مؤسسة ديموقراطية لا يملك وفقا لهذا ان يفصل عضو مجلس الامة، أو ان يقيد نشاطه الا في حدود ما تبيحه اللائحة الداخلية. من الممكن النظر في «سلوك» النائب الجويهل وتطبيق اللائحة الداخلية وعقوباتها عليه، ولكن ليس من الممكن، ولا نعتقد انه يجوز حتى للمحكمة الدستورية ان تنهي عضويته. لكن نصيحتنا لنواب الاغلبية، رغم اننا لسنا معنيين بهم، لكن للمهنة ولمتابعة الشأن العام احكام. نصيحتنا هي في ان يتجاهلوا نشاط الجويهل، فليس من المعقول ان يجمد نائب فرد نشاط مجلس الامة. اللهم الا اذا كان نواب المجلس من الأصل فاضيين، وليس لديهم ما يطرحونه أو يشغلون انفسهم وناخبيهم به الا النائب الجويهل ونشاطه غير السوي وغير المرغوب.

***

كيف تم اسكات الجويهل…؟!

قبل استجوابه انذر وارعد وتوعد النائب محمد الجويهل وزير الداخلية. واعلن ان الوزير الحمود سيصعد المنصة وزيرا، ولكن لن ينزل منها كذلك. نواب الاقلية الذين اطلعهم النائب الجويهل على بعض محاور استجوابه، صرحوا بان الاستجواب خطير، وان ما فيه كاف لأن يطير حكومة. هذا كان قبل بداية جلسة الاستجواب… عندما بدأت الجلسة لم يكن عند النائب الجويهل من وثائق غير جواز ابن النائب خالد سلطان. لكن جنسيات، وليس جوازات الهوامير وبقية المزدوجين تبخرت، ولم يظهر منها شيء. ماذا حدث للاستجواب؟ ماذا حدث للوثائق المهمة التي «تطيح» بوزارة على ذمة النواب الذين عرض بعض منها عليهم…؟!

ما يتم تداوله الآن.. ان الوثائق إما تم شراؤها، ومعها صمت الجويهل، وتراجعه عن استجوابه، أو ان النائب الجويهل تلقى تهديدات جدية بالأذية من شخصيات نافذة بالاسرة وفق الزعم، مما دفعه إلى ان يختار السلامة، ويتراجع عن كل اتهاماته. الخبيرون بالاوضاع ليسوا يائسين، فالأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت والوثائق كما يدعون.. وهم يعلنون ولا يهمسون بأن غدا لناظره قريب.

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.