هديل الحويل: حراس البوابة.. من هم

في الدراسات المعنية بعلم الاتصال الشخصي و الجماهيري, هناك نظرية تعرف باسم “نظرية حراسة البوابة” و التي يرجع الفضل فيها لعالم النفس النمسوي الأصل والاميركي الجنسية كيرت ليوين. مفاد هذه النظرية حسب ما ورد عن ليوين أنه على طول الرحلة التي تقطعها المادة الإعلامية حتى تصل إلى الجمهور المستهدف توجد نقاط (بوابات) يتم فيها اتخاذ قرارات بما يدخل وما يخرج من معلومات, وكلما طالت الرحلة التي تقطعها الأخبار والمعلومات وتعددت مراحلها قبل أن تظهر في الوسيلة الإعلامية, كلما ازدادت المواقع أو البوابات التي يصبح فيها من سلطة الفرد أو أفراد عدة تقرير ما إذا كانت الرسالة ستنتقل بشكلها الأصلي نفسه أو ستنتقل بعد إدخال تعديلات عليها, بحيث يصبح نفوذ من يديرون هذه البوابات كبيراً في تقرير نوع و شكل المعلومات في وصولها الأخير للجمهور.
وأشارت الدراسات إلى أن الرسالة الإعلامية تمر بمراحل عديدة وهي تنتقل من المصدر حتى تصل إلى المتلقي, و تشبه هذه المراحل السلسلة المكونة من حلقات عدة, بحيث يكون الاتصال وفقا لهذا عبارة عن سلسلة متصلة من الحلقات. ومن الحقائق الأساسية التي أشار إليها ليوين أن هناك في كل حلقة في السلسلة فردا ما يتمتع بالحق في أن يقرر ما إذا كانت الرسالة التي تلقاها سيمررها كما هي إلى الحلقات التالية, أم سيزيد عليها أو يحذف منها أو يلغيها تماما.
وإذا كان مفهوم “حراسة البوابة” يعني السيطرة على مكان ستراتيجي في سلسلة الاتصال بحيث يصبح لحارس البوابة سلطة اتخاذ القرار في ما سيمر من خلال بوابته, وكيف سيمر حتى يصل في النهاية إلى الجمهور المستهدف, وجب علينا أن نعي و ندرك من هم حراس بوابة المعلومات التي نبني عليها معرفتنا, تلك المعرفة التي تتشكل حولها توجهاتنا, تلك التوجهات التي من رحمها تتولد سلوكياتنا تجاه الآخرين.

و من ثم, إذا كانت الأديان على تعددها و تباينها عبارة عن مجموعة من الأفكار و المعلومات و القوانين التي تهدف إلى تنظيم حياة الإنسان و المفترض “تحسينها”, و إذا كانت الأديان قد قطعت أطول الرحلات و هي تنتقل من مصدرها الأصلي حتى تصل إلينا كمتلقين, فإذا من هم حراس بوابة الدين? من هم أصحاب النفوذ و المسيطرون على ذلك المكان الستراتيجي الذي يمكنهم من التحكم في ما يدخل من البوابة وما يخرج منها للناس? هم بالتأكيد أشهر حراس بوابة في تاريخ الحضارات والدول والثقافات, هم “رجال الدين”.
و”أي” حارس بوابة يخضع عوامل لعدة تتحكم في قراره الذي يصدره حول معلومة ما, بحيث يختار وفقا لتلك المعايير ما إذا كان سيوصل المعلومة على شكلها و فحواها الأصليين أم بعد تحريفها و تغييرها أم أنه سيمنعها من أن تصل أساسا, و أحد هذه المعايير هو المعيار المجتمعي, و الذي يعتبر من القوى الأساسية المؤثرة في حارس البوابة, و التي تقول أن حارس البوابة لا يسمح لأي معلومة بالوصول إلى المتلقين إذا كانت تتنافى مع هدف الحفاظ على الأعراف و القيم و المبادئ الاجتماعية السائدة في النظام الاجتماعي الذي يعيش فيه. فإذا كيف هي الحال بحارس بوابة الدين أو رجل الدين عندما يتعاطى مع معلومة دينية من مصدر صالح و شرعي تعطي للمرأة حقا سلبتها إياه معايير مجتمعها? أو معلومة دينية من مصدر صالح و شرعي يمنع عن رجل ما أهدته إياه معايير مجتمعه?

أنا أتساءل!
وأيضا, هناك المعيار الذاتي الذي يتحكم هو الآخر بقرار “أي” حارس بوابة حول معلومة ما, وهو المعيار الذي يشمل مستواه التعليمي, وتوجهاته الفكرية, وميوله, وانتماءاته, وجماعاته المرجعية, وسماته الشخصية كالنوع (امرأة أو رجل), والعمر, والدخل, والطبقة الاجتماعية, و الإحساس بالذات أو الثقة بالنفس, والذوق وغيرها كثير. فإذا كان كل ما سبق والذي يندرج تحت عنوان المعيار الذاتي لابد وأن يتحكم بقرار حارس البوابة, فأين هي الحال عندما يحصل رجل الدين على معلومة تخالف مصلحته في أحد ما سبق? هل سيحرص على وصول المعلومة للناس كما هي? أم سيغيرها لتتماشى و لو قليلا مع مرجعيته? أم سيمنعها عن الوصول أصلا?
أنا أتساءل فقط!
وكل من يدعو الناس إلى عدم التساؤل يخاف, من ماذا يخاف أو على ماذا? سيكون موضوع مقالتنا للأسبوع المقبل.

h_alhuwail@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.