أن تتصالح مع نفسك كأنك تصالحت مع العالم، أغلب الاضطرابات الشخصية والأمراض الجسدية والنفسية وغيرها مصدرها النفس وما تعانيه، تلك الآلام المدفونة في نفوس البعض، وتلك التجارب القاسية التي خاضوها أدت إلى عدم تصالحهم مع ذواتهم!
ولكن أن تعي ما هي مشكلتك فذلك نصف العلاج، قد نقضي أكثر من نصف حياتنا في حالة هروب من ذواتنا أولا ومن ثم الناس،
نحن نهرب من الألم كثيراً، ولكن طرق الهروب متغيرة من فرد لآخر، هناك من يدمن العمل لينسى همومه الشخصية، وهناك من يدمن المخدرات ليعيش في سبات، ويخدر دماغه ولو وقتياً، وهناك من علمته الأيام فن “التطنيش” والعزل، وأعتقد أنه الحل الأفضل!
الهروب بالعمل والمخدرات ليس حلا جذريا لمشاكلنا، ولكن أحيانا تكمن المشكلة في من هم في حياتنا، ولا نستطيع التخلص منهم لأي سبب كان، لن نصبح مجرمين ونقتلهم، ولكن نستطيع أن نرسم في خيالنا صورة ثلجية عنهم، ونتعامل معهم كقالب ثلج لا أكثر.
أن أتصالح مع نفسي هو أن أتعرف على مكامن الخلل، وأرهق نفسي بطرق إصلاحها، وإن لم يجد الإصلاح نفعا هنا فسأكون قد وصلت إلى طريق مسدود مع هذا الآخر الذي يستمتع بأن يراني مكسورة، أو يسعد بتثبيطي ولا يسعده استقلالي ونجاحي بعيدا عن دائرته، لماذا أجعل من هذا الآخر شماعة أعلق عليها همومي؟ لماذا أجعله يستقوي بضعفي؟ لماذا أجعله يتخلل بأعماقي ويسحق كل ما هو جميل؟
تعلمت الدرس بأقسى الطرق أن هذا الآخر قد يحبك، ولكن يسعده أن يدمرك، تعلمت بعد عناء أن أفصل بين أمراضه النفسية وروحي التي لا أريدها أن تتهشم بسبب كلمة أو غيرها، تعلمت أن أبتعد عن مسببي الأحزان والغارقين في السلبية، لم يكن ذلك سهلا، فكثير منهم أناس قريبون مني وأحبهم، ولكن الاكتئاب والتفاهة جعلت منهم وحوشاً لا ترضى سوى أن تنفث سمها على من حولهم وبالتحديد على من يحبون. أن أتصالح مع نفسي هو أن أبعدها عمن يؤذيها عمداً أو سهواً، سواء بسبق الإصرار والترصد أو بالمصادفة المتكررة، تعلمت أنه مهما بلغ حبنا لهؤلاء الأشخاص فلن نتقدم بحياتنا دون أن نحب أنفسنا قبل أي شيء ونتصالح معها، وبعدها فقط سنستطيع أن نتصالح مع العالم ونمد له يد السلام.
قد تستغرق الرحلة أياماً أو سنوات، ولكن أن تصل إلى قناعة بأن الوقت حان للتصالح مع نفسك وحان لتحبها يتطلب الكثير من الشجاعة، لا سيما أننا نعيش في مجتمع تعلم أفراده كيف يدوسون على أنفسهم من أجل الآخر، ولم نتعلم أن نحب أنفسنا ونقدرها كما نريد نحن لا كما يريدون هم.
قفلة:
البعض مهما فعلت لن يحبك، لا تكترث لأن هناك من يحبك دون أن تفعل أي شيء، لا ترهق نفسك بأسئلة لماذا، وماذا فعلت إن كنت على يقين بأنك لم تفعل شيئا، بل تأكد أن هذا الحاقد لن يكون محظوظا بأن يحظى بفرصة أن يكون في حياتك!
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق