منتقدو التأزيم بالأمس غدو ا بين عشية وضحاها أساطين التأزيم الجديد ، ودعاة التهدئة ومنح الحكومة الوقت الكافي للعمل باتوا هم اليوم من يدعو إلى رحيل وزراء في الحكومة لم تمض على توزيرهم الفترة الكافية للحكم عليهم وفقا لقناعات مسبقة لهؤلاء.
ما الذي تغير ليصيح المبشرون بأن النظام الجديد سيكون مدخلا للبناء وأنه سيكون صمام أمان يحفظ العلاقة بين السلطتين ويمنع تفجر الأزمات والقنابل في طريقهما المشترك ، ليصبح هؤلاء بأحزمة ناسفة يتمنطقون بها لينثروا في درب السلطتين قنابل حارقة تنتقي وزراء بعينهم لإقصائهم.
أليس مبدأ الانتقائية بحد ذاته كان تهمة من قبل يتمحور في أنه مدخل لصراع أشمل يتعدى البرلمان ليصل إلى حدود أعمق من ذلك تتصل بترتيبات الحكم بأكمله ، فما الذي حدث ليطل مبدأ الانتقائية من جديد وهذه المرة يحمل لواءه منتقدون سابقون له؟
ليس في هذا المجلس براك ولا مسلما ولا طاحوسا ، لا شعبيا هنا ولا حدسيا وإنما كل من فيه اختاروا بملء قناعة أن يصطفوا خلف الحكومة التي حملت مشعل التغيير لأنها رأت انزلاق الحالة السياسية إلى أغوار سحيقة تنذر بشؤم على المجتمع فبشرت بأن التغيير سيكون شمسا تبسط ضياءها تنمية واستقرارا، فما الذي حدث ليستحيل الفجر ظلاما وليصبح الضياء تأزيما جديدا يراد منه استبعاد وزراء بعينهم.
هل يستقيم القول إن هؤلاء النواب استشعروا قرب انقضاء المولد فخافوا خسارة الحمص ، وهل سيكون لهم موقع فعلي في قابل الأيام إن عادت الأمور إلى نقطة الصفر. سؤال تصعب الإجابة عليه غير أن الأصعب من ذلك القراءة الأخرى التي ترى أن النظام الانتخابي لم يكن المشكلة وأن تغييره كان يراد منه صرف النظر عن المشكلة الحقيقية ومكمنها الحكومة، وهنا لا تزال عبارة النائب المخضرم عدنان عبدالصمد عالقة في ذهني حينما أطلق سؤاله الاستنكاري الشهير : حكومة تستجوب حكومة وذلك على خلفية تقديم أحد عتاولة الاصطفاف الحكومي استجوابا لوزير فيها خلال مجلس 1996 .
هل يعني الاصطفاف الجديد لنواب بعينهم أن الخلل الحكومي عاد للظهور مجددا وأن النزعة لإقصاء المنافسين وحرق مراحل هي القراءة الصحيحة لما يحدث.
أم أن صراع المتنفذين الذين حاولوا رسم صورة للمشهد السياسي مريحة لهم بدأ بعد استشعارهم أن تلك الصورة معرضة للاندثار وبالتالي فإن المطلوب تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية تتيح لهم حضورا في المرحلة المقبلة.
استعراض أسماء المؤزمين الجدد يفي بغرض معرفة من وراء الأزمة غير أن اللافت ما يقال أن أطرافا لم تكن في دائرة الصراع المفترض دخلت عليه أو جرت إليه دون أن تشعر وهو ما يكرس نظرية المعارضة القائمة على أن النظام الانتخابي لم يكن مشكلة وأن تركيبة البرلمان لم تكن في يوم هي المعطل لعمل الحكومة وإنما ذلك الصراع الذي يدور في أروقتها أو الذي يراد له أن يدور في أروقتها هو المعطل وهو الذي يجب أن تبحث له عن حلول تستأصل جذر الداء بما لا يدع مجالا لتجدد ظهوره لاحقا.
المصدر جريدة النهار
قم بكتابة اول تعليق