اذا كان ثمة مشكلة فعلية تضعف الحس الفردي والاجتماعي بأهمية “المواطنة الحقة” وربما ستؤدي إلى تعطيلها نوعاً ما فهي المحسوبية, فهي مظلة عامة تنضوي تحتها ظواهر محاباة سلبية مختلفة. على سبيل المثال, حين تتم مكافأة أحدهم بالترقية والمنصب ليس بناء على امتلاكه الكفاءة أو الخبرة أو المؤهلات العلمية, ولكن بشكل رئيس بسبب انتمائه العرقي أو الطائفي أو الطبقي أو السياسي أو الفكري ولا أعتقد أنني أبالغ في هذا السياق إذا جادلت بأن استمرار وجود أي مظهر من مظاهر المحسوبية في المجتمع يدل على عدم تكرس مبدأ “تكافؤ الفرص” وربما يشير إلى التناقض الواضح بين ما يتم إطلاقه من شعارات اجتماعية رنانة وبين ما تتم ممارسته على أرض الواقع!
على سبيل المثال, يتوقع المواطن الصالح دائماً أن إخلاصه في عمله والتزامه بمسؤولياته وواجباته الوطنية سيحققان له حياة إنسانية متكاملة نوعاً ما في مجتمع يستند إلى تكافؤ الفرص. أي أن ما ترتكز عليه المواطنة الحقة هو الارتباط المنطقي والفعلي بين الجهود الشخصية الايجابية في الالتزام بواجبات المواطنة والدعوة الى تطبيقها في الحياة اليومية وبين ما يمكن للفرد الحر والمستقل (خصوصاً الذي لا ينتمي الى تيار سياسي أو فكري معين) تحقيقه من نجاحات شخصية مشروعة. ولكن حين يصل أحد المواطنين الصالحين الى شبه قناعة بأن مثاليته الأخلاقية والوطنية اإلتزامه بمتطلبات المواطنة الحقة وحرصه على تكريس الثوابت الوطنية في بيئته الوطنية لم تؤد على ما يبدو إلى ربط آماله وتطلعاته المشروعة بالنجاحات والرقي الاجتماعي, فكيف يستطيع المواطن الحق الاستمرار في إيجابيته وتفاؤله ودعوته مواطنيه الآخرين الى ممارسة المواطنة الهادفة وهو يرى ويشاهد ما يحصل على أرض الواقع?
المحسوبية تضعف و تنهك وتحبط المواطنة الحقة لأنها تشوه منطلقاتها الرئيسية ومبادئها ونتائجها الايجابية, وربما ستؤدي إلى التقليل من أهميتها في قلوب وعقول بعض الناس. فكل مواطن ملتزم بمبادئ مواطنته الهادفة له الحق في ربط آماله وتطلعاته المشروعة في النجاح الشخصي بناء على كفاءته وخبرته ومدى التزامه بواجبات وبمسؤوليات المواطنة الحقة والايجابية. فإذا لم يستطع هذا المواطن الحر والمستقل, الذي يقود حياته اليومية حسه الوطني المتجرد من المصالح الشخصية الشعور بأن جهوده وإخلاصه وإيفائه بمسؤولياته الوطنية أوصلته فعلاً للنجاح الذي يستحقه كفرد مخلص, فماذا عليه أن يفعل?! والله المستعان.
* كاتب كويتي
com.khaledaljenfawi@yahoo
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق