ناصر العبدلي: تبيض ذهبا

لو خيرت بين دجاجة تبيض ذهبا وبين الديمقراطية.. فماذا ستختار؟! هذا السؤال الصعب يقفز إلى الذهن فجأة عندما تنظر إلى المشهد السياسي المحلي من بعيد، فنحن نريد الدجاجة ونريد في الوقت نفسه الديمقراطية، الأمر الذي يرفضه المنطق بشدة، فإما الدجاجة وإما الديمقراطية، لأن الاحتفاظ بهما عكس حركة التاريخ، ويمكن أن يكون النظامان الرأسمالي والشيوعي خير مثالين على عدم القدرة على الاحتفاظ بهما معا.
الدجاجة التي تبيض ذهبا هي القطاع العام، وهي أداة الأنظمة الشيوعية في السيطرة على الشعوب في مرحلة من مراحل التاريخ، وخير مثال يمكن قراءته في هذا الصدد هو مصادرة كل وسائل الإنتاج في روسيا القيصرية والجمهوريات المنضوية ضمن إطارها، لتصبح ملكا للوحش الأسطوري المسمى الدولة، وبالتبعية يأكل الجميع من يدها اعتمادا على معايير كثيرة ليست الكفاءة من بينها.
على الضفة الأخرى من النهر كان النظام الرأسمالي «الديمقراطي» وفيه كل شخص يعتمد على نفسه، والدولة بمثابة الحارس للأنشطة، وفي مقابل أن تكون رجل أمن أو حارسا تحصل على ما يسمى «ضريبة»، تصرف جزءا منها على صحة المواطنين وتعليمهم وحمايتهم، باعتبارها المكونات الرئيسية لقيامها، وتترك بقية الأنشطة لهم يديرونها بأنفسهم، وهي تتفرج من بعيد، وإذا حدث خطأ ما تدخلت لإعادة الأمور إلى نصابها.
المواطن لا يعرف ماذا يريد ربما ظاهريا وفق تلك الجدلية التاريخية، فقد ذاق طعم القطاع العام أو الدجاجة التي تبيض ذهبا، وتمرغ في «ريضانه» الخضراء، وأصبح الأمر بالنسبة له مثل الهواء يموت إذا لم يستنشقه، وفي الوقت نفسه ذاق طعم جزء من الديمقراطية وليس كلها، باعتبار أن ما يجري في البلاد ليس ديمقراطية كاملة، مقارنة بالدول الديمقراطية الغربية مثل بريطانيا وفرنسا كمثال.. فماذا يفعل؟!
المواطن ظل طوال السنوات الماضية متشبثا بالنواب المهرة في «حلب» القطاع العام، له «امتيازات، زيادة رواتب، إسقاط فواتير كهرباء، تضخيم قوائم التموين وتنويعها، تخفيض سن التقاعد للمرأة، أعمال شاقة وغيرها كثير»، وهي جميعها على حساب المال العام، ولا مشكلة هناك، لكنه يرتعب عندما يتحدث أحد عن أدوات الديمقراطية الحقيقية، مثل التخلي عن القطاع العام والضريبة، الأمر الذي يؤشر إلى رفض مبطن للتطور الديمقراطي خوفا من أن يفقد.. الدجاجة التي تبيض ذهبا.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.