الحماس فوق العادة الذي يتسيّد الساحة، والمتمثل في الاصرار هذه الايام على ما يسمى بـ«الحكومة المنتخبة»، او في دقة اكثر طرح مسألة نقلنا من نظامنا المزدوج (الرئاسي- البرلماني) الى نظام برلماني كامل، يصبح فيه امر تشكيل الحكومات امرا برلمانيا خاصا، هذا الحماس يدفع، او من المفروض ان يدفع، إلى التساؤل أولا عما إذا كانت الحركة الديموقراطية عندنا (أول حركة ديموقراطية في العالم كله.. من دون ديموقراطيين.) هي في مرحلة الهجوم ام في مرحلة الدفاع؟ بمعنى هل انتهينا من تشذيب اوضاعنا ونبذ غير الدستوري وغير القانوني وغير الديموقراطي من ممارسات ومؤسسات، ام اننا مازلنا نعاني آثار التمدد السلطوي والاستحواذ القسري على بعض السلطات وفي بعض المؤسسات؟
في الواقع كنا وما زلنا في تراجع سياسي رهيب، منذ ان تحالفت السلطة مع القوى القبلية والمجاميع السياسية الدينية، حيث تمت محاصرة القوى الوطنية الديموقراطية وتقييد الحريات واستلاب الكثير من الحقوق العامة للناس، افرادا وجماعات. بحيث دخلنا في مرحلة الدفاع، بل في الغالب انتقلنا الى مرحلة الاستسلام الكامل، وذلك حين حاولت القوى الوطنية الديموقراطية مداراة عجزها عن مواصلة النضال الوطني الديموقراطي بالالتفات أو، ان شئنا الانصاف، بالانزلاق خلف دعاوى حماية المال العام، وهذه الايام محاربة الفساد، عوضا عن مواصلة النضال الديموقراطي وتطوير النظام السياسي وتعزيز المؤسسات والدفاع عن الحقوق العامة التي خصتها المادة 175 من الدستور بالحماية.
هذه الايام حين تقرر قوى الردة القبلية والمجاميع الدينية نفسها، المذكورة اعلاه، حين تقرر- هكذا، بلا مقدمات او تواضيح – هجران السلطة وحمل لواء المعارضة، فان تبنيها الشعارات السياسية الديموقراطية، خصوصا المغلوطة كالحكومة المنتخبة، لن يكون كافيا، ولن يكون مجديا وحده كي تبرئ هذه المجاميع ذمتها، ناهيك عن قيادتها للعمل الوطني برمته..! لن يخدم هذا القرار النضال الديموقراطي ان لم يؤد بشكل مخالف الى الاساءة اليه والى مواصلة تعويقه. على مجاميع الردة الدينية والقبلية اولا وقبل كل شيء ان تهدم ما بنته من قلاع وحصون دفاعا عن التخلف والتسلط، وعليها ازالة عوائق التقدم الحضاري، المدني والسياسي التي نصبتها أيام تحالفها الطويل مع السلطة. بالعربي.. مطلوب التصدي لكل القوانين التي اقرتها السلطة، بمشاركة وبدفع من مجاميع الردة القبلية والدينية، لمحاصرة الحريات واستلاب سلطات الامة، مثل قانون المطبوعات والتفسير السلطوي لقانون التجمعات، قانون منع الاختلاط الذي اقرته وطالبت به هذه المجاميع نفسها، قوانين الحشمة التي تفننت بفرضها بلا سند قانوني السلطة ارضاء لمجاميع التخلف، ثم جميع اشكال الردة الاجتماعية التي تعرضت لها البلاد طوال السنوات الثلاثين أو الخمس والثلاثين الماضية، مطلوب الغاء كل مظاهر التدين الطارئ التي تم فرضها على وفي داخل مؤسسات الدولة والمجتمع، وبمشاركة وقيادة المجاميع ذاتها التي فرضته.
هذه وحدها فرص العمل الوطني المشترك، وهذه هي الطريق الحقيقية لتشكيل جبهة وطنية معارضة ومعنية عن حق وحقيق بتطوير النظام السياسي ديموقراطيا وشعبيا. لا داعي للحوار المختلق الذي يطرحه البعض، وليس هناك مبرر لعقد مؤتمرات ومناقشات.. بل ليعلن كل طرف عن نفسه بصراحة ووضوح، ويستعرض بشفافية خططه وطموحاته الاجتماعية قبل السياسية… وبعدها يصير خير.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق