عامر التميمي: رشِّدوا السياسات المالية

لست مع فلسفة الإثارة والتخويف وبث الذعر بشأن الأوضاع المالية والاقتصادية. وقد أثارت تصريحات منسوبة لسفير كوريا الجنوبية في الكويت، معتمدة على توقعات لصندوق النقد الدولي، تشير إلى إمكان تحقيق عجز في الميزانية العامة للدولة في الكويت بحلول عام 2017، في حال استمر الإنفاق العام على مستوياته الجارية، وبموجب معدلات النمو المتحققة على مدى السنوات الماضية. لا شك أن النمو في الإنفاق، خصوصاً الجاري، ظل مرتفعاً وغير رشيد وهناك إمكانات لضبط إيقاع الإنفاق على أسس اقتصادية مناسبة. لكن عندما نتمعن في الأوضاع المالية في البلاد فإننا لا نجد سوى حقائق قديمة. الكويت تعتمد على إيرادات النفط منذ عام 1946 لتمويل الإنفاق، وهذه الإيرادات ظلت محكومة بأوضاع سوق النفط، وهذا السوق يخضع لمعايير العرض والطلب المتأثرة بالأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلدان المستهلكة والمنتجة.

كما أن العوامل الأمنية في العديد من البلدان المنتجة والصراعات والحروب المحلية والإقليمية في هذه البلدان، أو بينها، قد أثرت في الامدادات وفي الأسعار. بيد أن الطلب على النفط ظل خاضعاً للعوامل الاقتصادية في البلدان المستهلكة الرئيسية، وربما يمكن أن نؤكد بأن من أهم عوامل الارتفاع في الطلب خلال السنوات الماضية هو تحسن الأوضاع الاقتصادية في البلدان الآسيوية المستهلكة وأهمها الصين والهند. أما البلدان الرئيسية الأخرى مثل بلدان الاتحاد الأوروبي فقد شهدت ركوداً، أو في أحسن الأحوال استقراراً في مستوى الطلب لأسباب تتعلق بالتطورات الديموغرافية أو التراجع في معدلات النمو الاقتصادي وضعف النمو في مستويات الاستهلاك.

ما هو مطروح الآن أن الولايات المتحدة بعد تحسن مستويات إنتاج النفط من الصخر الزيتي Shall Oil وإمكانية ارتفاع مستوى الإنتاج من النفط في الولايات المتحدة، بما يجعلها أكبر دولة منتجة للنفط بحلول عام 2020، ربما سيؤدي إلى تراجع الطلب على النفط عالمياً ثم انخفاض الأسعار في وقت قريب.

لا يمكن إنكار ما يمكن تحقيقه في مجالات التطوير التقني لإنتاج النفط من مصادر كانت تعتبر صعبة ومستعصية قبل سنوات قليلة، لكن هذه التطورات محكومة، أيضا، باستقرار الأسعار حول مستويات عالية قد لا تقل عن الثمانين دولاراً للبرميل.. من جانب آخر هل ستظل مستويات الطلب مناسبة في الدول الآسيوية وغيرها من دول ذات اقتصاديات ناشئة؟ كذلك هل ستظل البلدان المنتجة في «أوبك» أو خارجها قادرة على الإيفاء بإمدادات تتوافق مع مستويات الإمداد الراهنة، بعد سنوات قليلة، أم انها قد تعاني مشكلات فنية في الإنتاج مثل تهالك الحقول لديها؟ هذه أسئلة مهمة. لكن بدلاً من الذعر وارتفاع حدة التذمر من الواقع الراهن، هل يمكن لنا أن نتوافق على سياسات مالية رشيدة تزيد من المناعة لأي من المتغيرات المتوقعة في اقتصاديات النفط والطاقة، كذلك هل يمكن أن نصوغ سياسات اقتصادية مختلفة تؤدي إلى توظيف الإمكانات الاقتصادية على اسس عقلانية بما يؤدي إلى متغيرات قد تكون مواتية، سواء ظلت أسعار النفط مرتفعة أو اتجهت نحو الانخفاض؟.

عامر ذياب التميمي

باحث اقتصادي كويتي

ameraltameemi@gmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.