المساحة بين الحرية والفوضى تكاد تكون رمادية لانعدام الاتفاق على مفهوم عام للحرية وتحديد معاييرها. لذا، من الضروري تعريفها بوضوح بما يتلاءم مع مختلف الظروف.
دائماً ما يتداول معظم الناس، خصوصا السياسيين، شعارات مثل «الحرية المسؤولة»، أو «نعم للحرية ولا للفوضى»، أو «حتى لا تتحول الحرية إلى فوضى»، وغيرها من الكلمات، ولكن، ما هي المعايير الفاصلة بين الحرية والفوضى، وكيف تحدد هذه المعايير، ومن يضع هذه المعايير؟!.. أسئلة لا تبحث عن إجابات بقدر ما تبحث عن السبل الواضحة والنظريات المدروسة للإجابة عنها.
الحرية مفهوم واسع يصعب تحديده أو تعريفه في سياق واحد وترك بقية السياقات التي تشمله، إذ من الضروري ربط الحرية بسياق محدد، كأن نقول الحرية السياسية أو الحرية الاجتماعية أو الحرية الفردية… الخ، والأمر نفسه ينطبق على الفوضى.
الحرية بمفهومها المطلق هي التحرر من القيود، وإذا وضعناها في سياق محدد، مثل الحرية الفردية، فسيصبح المفهوم هو تحرر الفرد من القيود المجتمعية المفروضة عليه، سواء قيود الأعراف الاجتماعية (عادات وتقاليد) أو قيود الدين أو غيرها، وفي هذه الحالة سيعتبر المجتمع تحرر الفرد نوعا من الفوضى (خارج النظام)، خصوصاً إذا صرّح الفرد بأفكار تختلف عن أفكار ومعتقدات المجتمع، أو قام بسلوك شخصي يرفضه المجتمع، حتى وإن لم يتسبب في ضرر للآخرين. وإذا سلمنا بأن المجتمع هو الذي يضع «حدود الحرية»، فهل تتفق كل أطياف المجتمع وتنوعاته وتركيباته على الحدود نفسها؟!
أغلب المحافظين يعتبرون «كل تجديد» فوضى، وأغلب الملتزمين بحرفية النصوص يعتبرون «كل تفسير جديد» فوضى، وبعض الليبراليين يعتبرون التحرر الذي «يخالف ليبراليتهم» فوضى، وبعض التجار يعتبرون دخول تجار جدد إلى «سوقهم» فوضى، حتى بعض المطالبات بحقوق المرأة تعتبرن حرية المرأة الكاملة «واستقلالها» بشخصيتها وقراراتها فوضى، وكذلك أغلب السياسيين يرون أن حقهم في التعبير عن رأيهم حرية وحق الآخرين في التعبير عن رأيهم فوضى، وبعض المدافعين عن الحريات يكتفون بالدفاع عن الحرية السياسية ويغفلون الحريات الأخرى ويعتبرونها فوضى، وهلم جرا.
إذا كان الدستور الكويتي كفل الحرية الشخصية والحريات الأخرى، فلماذا يصدر المشرعان (مجلس الأمة والحكومة) قوانين تنقض وتهدم الحريات المفترض أنها مكفولة؟!
وخير دليل مشروع القانون بشأن الإعلام الموحد الذي وافقت عليه الحكومة.. والمسؤولية الآن على نواب الأمة في قراءة هذا القانون جيدا والانتباه إلى ما بين سطوره!
أسيل عبدالحميد أمين
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق