سامي خليفة: هديّة مسلّم للحكومة

ما جرى في الأيام السابقة منذ إعلان المحكمة تنفيذ حكم السجن ضد المواطن مسلم البراك، يعد سابقة خطيرة غيرت قناعات الكثير من الناس – وأنا منهم – عن المسار الجديد للمعارضة السياسية في دولة الكويت ومبتغياتها، وطبيعة التكتيكات التي يمكن اتباعها ومشروعيتها، بل أحسب أنها قسّمت الحراك الشعبي إلى مجاميع عدة، وأفرزت خطابا متطرفا ذا سلوك مختلف تماما في إيقاعه السياسي عن المتعارف عليه. سلوك أدى إلى إشعال نار أقل ما يمكن وصفها أنها في غير محلها، ولا تستند إلى الحكمة والحصافة.
فما وجدناه في الأيام القليلة الماضية من تصريحات وأفعال خرجت عن نطاق العقل لتقودها العاطفة المشوبة بالهسترة، مما تعد سقطة حقيقية للجناح المتطرف في المعارضة لا نملك إلا استنكارها وشجبها، والتحذير من تداعياتها على وحدة الصف الوطني والسلم الأهلي في المجتمع. وذلك حين يجد المجتمع تلك الفئة المتمردة على القانون تسبب ضررا عينيا لمصالحها العامة لتنتهك الأمن في البلاد، في وقت يجد قادة الحراك أنفسهم غير قادرين على السيطرة على مشاعر بعض المتطرفين من جماهيرهم، فيضطر إلى الاستجابة راضخين لسلوكيات أقل ما يمكن وصفها أنها لا تمت إلى العقل والحكمة والتدبر بأي صلة، وهنا يمكن أن نقول إنهم قد فقدوا زمام السيطرة على الحراك، وبات الأمر أشبه بالفوضى السياسية التي لا قيمة جاذبة لها بتاتا، بل أحسب أهنا السبب الأساس وراء انتصار الحكومة في القادم من الأيام.
لا أعرف السبب الحقيقي وراء عدم تسليم المواطن مسلم البراك نفسه وقبوله تنفيذ حكم القضاء عليه حاله كحال أي مواطن آخر، ولكن ما أشهده من تداعيات خطيرة على تماسك قيادات المعارضة، ومن سيطرة السلوك المتطرف لبعض جمهور المعارضة، وفرضهم ذوقا جديدا تجاوز المرونة وأبعد الكثير من جماهير المعارضة المعتدلة عنها، يمكنني أن أجزم أنها خطوة أضرت بكل منتسب أو متعاطف مع المعارضة السياسية التي كانت تسعى أن تحتفظ بوصف الرشد في سلوكها.
إنها اليوم الحقيقة المرة التي على قادة المعارضة إدراكها، وهم يشهدون كم التجاوزات التي تصدر من جمهور المعارضة. لذا أحسب أن التحدي الأهم الذي عليهم مواجهته هو الكيفية التي يمكن أن يعيدوا سلوك المعارضة إلى توازنه المقبول نوعا ما! وأيضا في كيفية معالجة الأضرار التي سببها متطرفو جمهور المعارضة في انتهاكهم للقانون وترويعهم الناس، وتخريب الممتلكات العامة والخاصة وإهانتهم لرموزها؟! لأن تلك السلوكيات في الأيام القليلة الماضية قد هدّمت كل ما بنته المعارضة السياسية في
السنوات الخمس الأخيرة.
لقد أخطأ المواطن مسلم البراك كثيرا في عدم تسليم نفسه طواعية، والاستجابة لحكم القضاء ليقدم بذلك هدية على طبق من ذهب للحكومة لم تكن تحلم بها، وهي تعاطف الناس معها. ولو فعلها البراك وسلّم نفسه فورا بعد حكم المحكمة ومنذ اليوم الأول، لكسب تعاطفنا جميعا، ليس لأنه لم يخطئ، بل لأنه كان سيقدم نموذجا في احترام القانون، وتثبيتا لمصداق القول بالفعل معا. فرمزية المظلوم المضحي والمطالب بحقه بالتأكيد هو عنوان أقرب لرمزية الظالم غير المضحي والمطالب بحقه، ولنا في الزعيم التاريخي مهاتير غاندي نموذجا رائعا حين قال بعد انتصاره: «تعلمت من الحسين بن علي كيف أكون مظلوما فأنتصر». فكم هي حجم الفرصة الكبيرة التي أضاعها المواطن مسلم البراك على نفسه وظلمها، في وقت كان يمكن أن يقدم هدية كبيرة للمعارضة السياسية في الكويت عبر توسيع دائرة التعاطف معه من داخل وخارج جمهور المعارضة.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.