احمد الجارالله: ميليشيا عباس الشعبي


لم يسبق أن واجهت الكويت خطرا داخليا يوازي خطر الغزو والاحتلال مثل اليوم, حين حول بعض النواب مجلس الامة الى مقر ميليشيا فوق الدولة ومؤسساتها, لها مخافرها ومباحثها ومحاكمها الخاصة, بل قل: استخباراتها التي تمارس في وضح النهار ما تخاف ممارسته أعتى مخابرات الدول القمعية تحت جنح الظلام, فهل لمثل هذا اليوم أنجبت الامهات اولادها? او لمثل هذا الوضع ارادت جماعة زعم المحافظة على الدستور إيصال البلاد, حيث بتنا نخاف على مصيرنا وأنفسنا اكثر من خوفنا على مستقبل اولادنا وأجيالنا القادمة, من حراك مغلف بالسياسة لكنه حراك القمع والتنكيل المتوحش بكل من يعارض تلك الميليشيا?
عندما تقول إحدى المحاكم رأيها في أمر وتصدر حكمها ينصاع الجميع لها, هذه قاعدة متعارف عليها في دول العالم كافة, إلا عندنا يخرج بعض النواب ليقولوا وبأعلى الصوت: نحن لجان تحقيق نيابية لا شأن لنا بالمحاكم وما تصدره, وسنحقق مع من نشاء ونعزل من نريد من منصبه, وما على الجميع إلا السمع والطاعة, فهل تحولت بعض اللجان النيابية حاكما بأمر من يترأسها الذي لا يحتكم إلى دستور او قانون, فيما هي لجان لا سلطة لها على أي مؤسسة اكثر من اصدار التوصيات وللمراجع المعنية صلاحية تقدير ما تراه مناسبا في شأنها?
نعم, من الممكن ان يحدث كل ذلك حين تدار الامور على قاعدة “يا فرعون من فرعنك? فقال: لم يردني احد”, وتكون هي السائدة في ظل تراجع السلطات المعنية امام إرهاب ميليشيا الزحف النيابي على كل السلطات, لأنها لم ترد من تفرعن في غضون أشهر قليلة من عمر مجلس الامة الحالي وراح يستبيح مؤسسات الدولة, مستدعيا الى مخفره المسؤولين والناس, محققا ومهددا ومتوعدا, أو يعيِّن انصاره في هذه المؤسسة أو تلك, ويعتدي على الكرامات من دون حسيب أو رقيب, كما يلغي المحاكم بتصريح صحافي فيما هذا الحصن المشهود بنزاهته تتركه الدولة بلا دفاع عنه ل¯”شبيحة” يمعنون في التطاول عليه والزحف على صلاحيات الحاكم والقضاء, رغم ادراكها ان من يتعدى على الاخير لا يبقى لديه أي رادع للاستحواذ على باقي السلطات, وهذا ما يثير رعب الناس لأنهم باتوا فعلا يخافون من ضعف الدولة امام سطوة ميليشيا الابتزاز والتدليس المتواقحة في كل افعالها.
يبدو اننا دخلنا عصر دولة عباس الشعبي(كما قال زميلنا عبداللطيف الدعيج قبل ايام في مقالته), حيث يصبح عقاله أداة تأديب كل من يخالف زعماء الميليشيا تلك,الذين نذروا انفسهم لتفريغ مؤسسات الدولة والسيطرة عليها!
لا شك ان تلك الحفنة طاشت بعدما خلت لها الساحة وباتت ترى نفسها دولة عظمى في كنف الدولة, لكنها لم تدرك بعد أن الشعب يصبر على الاذى إلا انه لا يهمل, وصمته لن يستمر طويلا على هذا التعدي السافر على القيم والدين والدولة والمجتمع, كما انه لن يترك الامر حتى يصبح لكل”فريج” دولته وميليشيته القبلية والطائفية, فهل تسترد الدولة هيبتها من لصوص الزحف على السلطات أم تبقى غارقة في صمتها عما ترتكبه تلك الحفنة النيابية من جرائم?

أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.