حتى الآن لا يزال ما يسمى بالتيار الوطني «ضائعا» وعاجزا عن اتخاذ موقف حاسم من الانتماء القسري للخط الوسطي المعارض الذي وجد نفسه مضطرا الى اتخاذه. لا يزال – وبالذات التحالف الوطني – يمسك العصا من منتصفها، فلا هو بالذي يدين الخط الرجعي للمجاميع القبلية الدينية وتعديها وتحديها السافر على مؤسسات الدولة، ولا هو بالمنضم لها في عبثها وتحقيرها لبنى المجتمع المدني وقواعد الحكم الديموقراطي وأصوله. ولعل التصريح الأخير لمسؤولي التحالف والذي أدان التشكيك والانتقاد للقضاء واحكامه، لكنه ارفق ذلك باستنكار «انتقائية» السلطة في تطبيق الاحكام، لعل ذلك ابلغ دليل على الضياع، بل التخاذل في اتخاذ موقف صريح وواضح من الصراع بين مجاميع التخلف والسلطة.
أكثر من مرة بيناها، من ان النظام السياسي هنا هو نظامنا نحن، ليس نظام الأسرة أو السلطة، فهي تحاربه وتحاول الانتقاص منه منذ زمن، وباشكال مختلفة ومتنوعة. تزويرا للانتخابات تارة وحلا لمجلس الامة تارة اخرى، تقييدا دائما للحريات وانتقاصا لدور مؤسسات النظام وتعطيلا للبنى السياسية فيه. وهو بالتأكيد ليس نظام مجاميع التخلف القبلي والديني، والتي تتناقض سياسيا ومدنيا مع النظام الديموقراطي، وحاولت وتحاول جاهدة تغيير مساره وفرض الاتجاهات الطائفية والمذهبية على مؤسساته.
إنه نظام الوطنيين الديموقراطيين، لذلك فان الوطني الديموقراطي لا يملك الا ان يكون مواليا للنظام، ليس بالضرورة للسلطة او الحكومة. ولا يملك الا ان يكون متناقضا، وفي عداء وكل مجاميع التخلف التي تتربص بالنظام العام وتسعى الى تقويض مؤسساته وقواعده.
لهذا، فان على القوى الوطنية الديموقراطية ان تكون صريحة في عدائها لاعداء النظام الديموقراطي واكثر صراحة في الدفاع عنه وتثبيت من يسعى الى تدعيمه وتعزيزه. لهذا، وبغض النظر عما كل ما يقال عن مرسوم الضرورة، فهو في النهاية تصحيح لعبث حقيقي، طويل ومتواصل، من قبل بعض اطراف السلطة وتحالفها الديني القبلي في النظام الانتخابي بهدف تحريف وابطاء النمو الديموقراطي والمدني للمجتمع.
لقد انضمت القوى الوطنية الديموقراطية في معركة مرسوم الصوت الواحد، انضمت، مع الأسف، الى الجانب الخطأ، والى الطرف الساعي بصدق الى مواصلة العبث والتحريف في النظام الديموقراطي.. والآن اذ تتكشف يوما بعد يوم حقيقة هذا الجانب الخطأ او التيار، ومدى تخلفه وتعارضه مع حركة التطور، فإن القوى الوطنية الديموقراطية مدعوة الى حذف عصا الوسطية وتسلُّم دفة قيادة العمل الوطني، وانتشال البلد من حالة اليأس والتشرذم التي يمر بها.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق