حينما ينحرف البرلمان ويبتعد عن جادة الصواب يغدو تعديل مساره مهمة لا بد من تداركها، أقول ما سبق في ظل كون الوضع الدستوري في البلاد يمر بحالة من الدوامة الحقيقية التي فيها خروج على الدستور وتعسف واضح من الأغلبية البرلمانية، فقد تعددت صور الانحراف ونماذجه في الممارسة والخروج على أحكام الدستور، بحيث لم يعد معه الوضع يقبل السكوت او المجاملة أو تفويته تحت اي مبرر من المبررات.
ان هناك من يفكر ضمن الأغلبية بنشوة الفوز الكاسح والسيطرة الواضحة للأغلبية على مقاليد شؤون البرلمان، وقد دفعه ذلك كله الى السير في طريق التهاون بالدستور والإفراط في مخالفة أحكامه، اعتقادا منه ان وجود الأغلبية البرلمانية يعني حقه في الاستبداد وممارسة التسلط من دون حد او حدود، ونقول لهؤلاء إنكم تعيشون في وهم، لأن الخروج على الدستور هو الحد الفاصل بيننا وبينكم ولن يتأخر الكويتيون في حملكم على التزام أحكام الدستور، ولن نقبل بأن يصبح لدينا في الكويت برلمان تفتيش على غرار محاكم التفتيش في أوروبا القرون الوسطى، بحيث تهدر المشروعية ويتم المساس بالكرامات وتنفلت حالة توزيع الاتهامات من دون ضمانات أو إجراءات أو التزام بأحكام القانون أو تطغى سلطة على السلطات الأخرى، وذلك – والله – خطأ ما بعده خطأ.
إن الممارسة التي تقوم بها لجان التحقيق البرلمانية والطريقة التي تسير فيها العملية التشريعية جاءت بمخالفة صارخة لأحكام المادة 50 من الدستور والمادة 115 منه أيضا، وصار البرلمان يتصرف وكأنه الآمر الناهي فقد مارس التشريع في قضايا من صميم أعمال التنفيذ التي تنفرد بها الحكومة، مُنصِّباً نفسه بدلا منها، وها هي لجان التحقيق البرلماني تتولى دور وإجراءات واختصاصات التحقيق الجنائي فلم تكتف بدورها السياسي، وإنما ولجت إلى نطاق التحري والبحث والتفتيش، بل ومحاولة إلزام الشهود من غير الموظفين العموميين بالحضور، وذلك كله افتئات على اختصاصات أصيلة للسلطة القضائية، وهي أعمال تخرج صراحة عن اختصاص لجان التحقيق البرلمانية وبالنص الصريح بالدستور في المادة 114 منه وهو الأساس، وكذلك المواد 8، 9، و147 من اللائحة، وإذا كان الموقف الحكومي الصامت تجاه الخروج الصارخ من أعضاء البرلمان عن نطاق اختصاصهم الدستوري جاء عن ضعف ورغبة في الترضية السياسية والمداراة التي ضيعت البلد لسنوات، فإن الدور على الكويتيين وأهل الاختصاص ليعبروا عن رفضهم لذلك بأعلى صوت وبأقوى عبارة، فالأمر لا يحتمل المجاملة!
وأوجه خطابي في هذه المقالة تحديدا إلى أعضاء الأغلبية الذين ممن نعتقد بدورهم في المجلس، مطالبا إياهم بأن يكونوا حماة للدستور ونقطة توازن مهم لوقف التمادي والتعسف الذي يمارس باسم الأغلبية وهو خروج على الدستور ينبغي ان يكون لهم رأي ودور في التصدي له ووقفه، فالكويتيون على شدة انتفاضتهم على الفساد والمفسدين في شأن فضيحة الإيداعات والتحويلات، التي كشفت حجم الفساد الذي يعيشه البلد، وحرصهم على ألا يفلت متورط، فإنهم في المقابل لا يقبلون ان تتم معالجة الخطأ بخطأ والمخالفة بمخالفة تؤدي إلى الخروج على أحكام الدستور باسم حمايته او من دون الاكتراث بأحكامه، فلا يجوز للبرلمان أن يغرِّد خارج إطار الدستور.
اللهم إني بلغت.
أ. د. محمد عبدالمحسن المقاطع
dralmoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق