إقبال الاحمد: تنظيم أم انتقام

قانون الإعلام الموحد قانون أُشبع تعليقاً، رفضاً أكثر من القبول. رُمي بالسهام من بعض الجهات، وأيضاً، رمي ببعض الورد الصغير من جهات أخرى. هناك من اعتبره إساءة إلى مكانة الكويت الإعلامية، وآخرون اعتبروه مكملاً لقصور في قوانين سابقة. هناك من رفضه بالكامل ويرفض قبوله كلياً، وهناك من كان ينتظر صدوره بفارغ الصبر، وهناك من اعتبر سلبياته تفوق إيجابياته، وآخرون يجدون إيجابياته أكثر بكثير.

لا شك في أن قانون الإعلام الموحد، الذي ألقي في مرمى مجلس الأمة، يحتاج إلى كثير من النقاش والتشريح من أصحاب العلاقة ومن يعنيهم الأمر بالذات حتى يخرج بأقل الخسائر الممكنة على الجانبين. في الوقت الذي يجب ألا ننكر فيه أن ساحتنا الإعلامية شهدت فوضى عارمة في مرحلة من المراحل، عندما اجتاحت الفوضى نفسها ساحتنا السياسية، وعشنا في الكويت مرحلة غليان في كل شيء، علينا أن نفكر في الموضوع بعمق أكثر.

لو وضع أي شخص نفسه في موقع الناقد أو المهاجم، وعبّر عن رأيه في هذا القانون، فبالتأكيد سيتراجع كثيراً عن موقفه لو بدّل موقعه إلى المتضرر من هذا النقد أو الهجوم بكل أشكال الضرر المادي والمعنوي، وغالباً ما يكون الضرر معنوياً.

وحتى يكون الأمر واقعياً ومنطقياً ومقبولاً لدى أكبر فئة ممكنة، فعلى كل من يعطي رأيه في هذا القانون أن يكون صاحب أكثر من قبعة، أن يلبس قبعة مالك المطبوعة أو القناة الفضائية أو الجريدة أو المقال أو الموقع الإلكتروني أو موقع التواصل، ويكتب رأيه، وبعد أن ينتهي يستبدل قبعته ويلبس قبعة الطرف الثاني الذي كتب ضده في المقال أو هاجمه في الصحيفة أو انتقده في رسم الكاريكاتير أو أهانه بتعليق على حسابه الشخصي أو حقّره في لقاء تلفزيوني أو تمادى في انتقاده بشكل غير أخلاقي أبداً، أو مسه في كتاب أو رواية.

شيء طبيعي أن الصورة ستكون مختلفة كلياً في الرأي الأول عن الرأي الثاني.

أول انطباع كوّنته بعد قراءة قانون الإعلام الموحد، الذي ضم قانون المطبوعات لسنة 2006 وقانون المرئي والمسموع لسنة 2007 وتنظيم قانون الإعلام الإلكتروني، أن هناك مبالغة غير عادية في الغرامات، وأيضاً، في الحبس، فهي لا تقل عن 20 ألفاً ولا تزيد على 300 ألف في بعض الحالات، وهذا شيء مبالغ فيه، والفارق بين الأدنى والأعلى كبير جداً.

من أشد الأخطاء التي يمكن أن نقع فيها كلنا أن نتخذ إجراء عنيفاً كرد فعل على سلوك معين من دون أن يكون هناك تريث وهدوء وبحث للموضوع في كل الظروف والحالات، بدليل أن هناك من اعتبر هذا القانون ذا رائحة انتقامية لمرحلة الفوضى التي عاشتها الكويت قبل فترة، وقد يكون هذا، أيضاً، مبالغاً فيه، فتنظيم الأمور ووضع حد لهذه الفوضى أمر مطلوب بعد أن انفلتت الأمور وضاعت الحقوق بسبب ممارسات لا مسؤولة من فئة غير مسؤولة.

نعم، عاشت الكويت قبل فترة مرحلة انتقالية دبت الفوضى فيها سماء الإعلام، واختلط ما يجوز بما لا يجوز، وغلب الممنوع على المسموح، وضاع الاحترام بين كلمات القذف والتحقير والإهانة، وصرخ الناس يطلبون تطبيق القانون، لأن المتجاوزين له بالغوا في قلة الاحترام.

وبما أن هذه الفئة قلة والحمدلله في مجتمعنا، الذي جبل الناس فيه على احترام ولي الأمر وتقديم الكلمة الطيبة على ما عداها، فيجب ألا يكون القانون انتقاماً منهم، فيكون كالحبال التي تقيد الحركة فتشلها.

في ظل تفاصيل القانون، فإن ما سيسود الساحة الإعلامية انعكاساً له سيكون واحداً من اثنين، الأول أن المنع سيكون أقصر الطرق للعاملين في وزارة الإعلام بسبب الحالة الفضفاضة التي وضعت فيها بعض العبارات، مثل «احترام القانون والنظام العام والآداب العامة». وهذا سيزيد من مساحة التردد في رأي من يمتلك حق المنع أو الإجازة بالنشر أو البث. ومن منطلق الباب الذي يأتيك منه الريح سده واستريح سيختار الحل الأسهل والأسرع والبعيد عن وجع الرأس… وهو المنع.

أما الطرف الآخر، وأقصد هنا الناشر، صحافياً أم تلفزيونياً أم عبر مواقع التواصل، فإنه سيسكت سكوتاً أبدياً، وسنفقد كل الحريات التي اكتسبناها في هذا المجتمع عندما تنفسنا هواء الحرية فيه منذ سنوات طويلة طويلة.. فالقانون يجب ألا ينال أبداً من حرية الإعلام التي تتميز بها الكويت دون غيرها من الدول المجاورة والبعيدة، ويجب ألا يفقدنا هذا المكتسب الرائع الذي نتنفسه مع الهواء والا اختنقنا.

ثم ما قصة العودة إلى موضوع الرقيب والرقابة المسبقة؟ فذلك بحق هو تقييد للحريات ولقنوات التعبير.. وإلا كيف لي أن أبعث إلى وزارة الإعلام قبل أن أقوم بطبع أي مادة وانتظر موافقتها قبل أن أقوم بطبع ما أريده؟! لماذا لا تحدد ماهية المواد التي تنطبق عليها هذه الشروط؟ وهل سأنتظر إلى أن يبت الرقيب كتابي أو منشوري، وقد يتسبب ذلك في تعطيل الطباعة والنشر لأي سبب يمكن أن تتحجج به الوزارة؟ وهل هناك ما يضمن أن الوزارة سترد بعد يوم أو اثنين من تقديم الطلب أم سيمتد الموضوع أسابيع طويلة؟ هذا إذا افترضنا الاتفاق مع هذه المادة.

قانون الإعلام الموحد يحتاج إلى مناقشة عامة بين من وضعه وبين المهتمين والإعلاميين والصحافيين، كما أعلن رئيس مجلس الأمة، وما بدأ به فعلياً. وأن تستمر المناقشات وتأخذ وقتها في النقاش إلى أن يتم الوصول إلى قانون منطقي يحقق الهدفين. فهذا القانون بالطبع يحتاج إلى وقت وجهد من كل الأطراف، وليس فقط وزارة الإعلام والقانونيون ومؤسسات الدولة، واستطلاع الرأي للمجتمع المدني، كما قال وزير الإعلام. بل إلى سماع وجهات نظر أصحاب الصحف والكتّاب والقائمين على الإعلام المرئي والمسموع واللجنة المتخصصة في مجلس الأمة حتى نختصر الوقت ونلم الموضوع من كل جهاته.

ثم من قال إن المجلس الحالي سيبصم على هذا القانون؟! ولماذا هذا الحكم المسبق وقبل أن تبدأ مناقشته في المجلس؟! فهناك كثير من النواب أبدوا ملاحظاتهم واعتراضهم على بعض مواد القانون، كحال أهل الكويت كلهم بين مؤيد ومعارض ومتحفظ.

***

• أُطلق سراح النائب السابق مسلم البراك بكفالة مالية ونهنئه على ذلك. ولكن لم نسمع أي إشادة بالقضاء ووصفه بالنزاهة لأنه أفرح مؤيدي البراك الذي انتشوا من القرار وغنوا ورقصوا، ولم يقولوا إنهم أخطأوا عندما قالوا إنه تم تسييس قضيته، بدليل أنه لم يحبس كما كانوا متخوفين مما أبهجهم كلهم والحمد لله.

إقبال الأحمد

Iqbalalahmed0@yahoo.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.