تبدل المفاهيم وثمن كرسي الرئاسة

حسن الموسوي
فعلاً نعيش زمن تبدل المفاهيم، حيث أصبح الحق باطلاً والباطل حقاً، ومظاهر الدجل والتناقض تتجلى بشكل أوضح يوماً بعد يوم، وآخر هذه المظاهر هو التصحيح المزعوم لبلاغ المجلس ضد المقتحمين، والذي هو في حقيقته تزوير للحقيقة وتشريع لمنطق التخريب والفوضى وفرض الأمر الواقع، والمصيبة الأعظم أن البعض مازال يفتخر بالاقتحام وبأنه “يوم العزة والفخر والكرامة” و”يوم وطني”، مع أن سمو الأمير وصف ذلك اليوم بـ”اليوم الأسود”!
فأين من كان يقول: “أنا وبعض النواب اقتحمنا المجلس وأتحمل المسؤولية الجنائية والسياسية”؟ لماذا لا يوفون بوعودهم ويواجهون تبعات فعلتهم وتغريرهم بالشباب بدلاً من الاختباء وراء الأغلبية الجديدة؟ ولماذا لا يتحلون بالشجاعة- التي يدّعونها دائماً- ويواجهون القضاء؟
ثم نأتي إلى الرئيس الذي قال في المجلس السابق إن بلاغ المجلس خطيئة، ثم غيّر رأيه أثناء الانتخابات “بعدما شاف أن الجو ضده”، وقال إن الاقتحام خطأ وبأنه لا يستطيع الحديث لأن الأمر بيد القضاء، وإذا بمكتب المجلس الحالي يقوم بمحاولة الالتفاف على جريمة اقتحام المجلس عن طريق التصحيح المزعوم وسط صمت الرئيس الرمز حامي حمى الدستور! فيبدو أن ثمن كرسي الرئاسة كان باهظاً جداً!
بعدها نأتي إلى بقية الأغلبية الغوغائية لنرى العجب العجاب، فمن كانوا يعطلون الجلسات بالصراخ المستمر وبمقاطعة اللجان وافتعال الفوضى باتوا هم اليوم حمامات السلام والحريصين على الإنجاز وعدم التعطيل! ومن اقتحموا المجلس وعبثوا بمحتوياته باتوا هم اليوم الحريصين على قدسية القاعة واحترامها!
ومن أعطى لنفسه الحق لكشف أسرار مصرفية تحت قبة “عبدالله السالم” بحجة أن النائب حر فيما يقول فيها، ومن برروا لاقتحام المجلس بالقوة والعبث بمحتوياته، صاروا اليوم يستنكرون على زملائهم التعبير عن موقف سياسي صامت بوضع أعلام سوداء احتجاجاً على محاولة الالتفاف على الحقيقة!
وباتوا يتهمونهم بتعطيل الجلسات مع أن العكس هو الصحيح، فالأغلبية هي التي لم تتحمل ذلك الاحتجاج الراقي الصامت وأصروا على رفع الجلسة ما لم تُزل تلك الأعلام، حينها فقط قام نواب الأقلية بالدفاع عن أنفسهم وموقفهم الراقي!
إن محاولة الالتفاف على جريمة اقتحام المجلس وتسخيفها عبر الادعاء بأنه “جاء ضمن حراك شعبي ولا يتضمن نية للتخريب”، هي مسألة خطيرة ولها تبعات كارثية على المستقبل، مثلما كان اقتحام أحد المخافر وأخذ صندوق الفرعية عنوة في عام 2008- وسط تفرج وزارة الداخلية إضافة إلى عجزها عن فرض قانون منع الفرعيات- مقدمة لما يجري اليوم من فوضى.
تحت هذه المبررات السخيفة سيحق لأي كان أن يقتحم أي مرفق عام ويشيع الفوضى في البلد تحت تبرير “الحراك الشعبي”، ويبدو أن الأيام حُبلى بالمزيد من التبعات الخطيرة لنجاح كتلة الغوغاء بفرض أجندتهم التخريبية.
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.