عامر التميمي: محنة التيار الديموقراطي

تظل المفاهيم السياسية في الكويت ملتبسة، فالبرغم من توافق مختلف الأطراف، أو هكذا يبدو، على أهمية احترام الدستور ونصوصه وقيمه، فإن الممارسات السياسية والمواقف من مختلف القضايا تؤكد ارتباكاً في الرؤى.. وأكدت الأحداث التي جرت خلال العامين الماضيين، بل وحتى الآن، أن المفاهيم الديموقراطية الحقيقية تظل غائبة عن عقول الكثير من السياسيين في الكويت، حتى لو ادعوا أنهم من أشد المؤمنين بالديموقراطية وقيمها العصرية. ليس هناك ما يمنع من حدوث خلافات أو تباينات في وجهات النظر أو تقييم الأمور والقضايا، لكن من الأهمية بمكان توافر قناعات واضحة بأنه ليس هناك من يملك الحقيقة النهائية، ومن ثم لابد من التوصّل إلى توافق يرضي أوسع القطاعات الشعبية. الكويت بلد ارتضى نظاماً دستورياً يحدد صلاحيات كل السلطات التشريعية والتنفيذية، وقد فصل الدستور تلك الصلاحيات على أسس واضحة. لا شك أن هناك الكثير من الأوضاع التي تستلزمها الحياة الديموقراطية مازالت غير قائمة، بالرغم من مرور أكثر من خمسين عاماً من بداية الحياة الدستورية. هناك غياب للأحزاب القائمة بموجب قانون واضح يحدد مرجعيتها وأساليب عملها وكيفية تزاحمها وتنافسها من أجل الوصول إلى مجلس الأمة، والتأثير على مجريات العمل السياسي. لكن قد يزعم البعض أن لدينا أحزابا وحركات سياسية، حتى لو لم يكن هناك قانون ينظمها، وهذا صحيح، بيد أن غياب القانون قد أدى إلى قيام تنظيمات لا تلتزم بالقيم الديموقراطية الحقيقية، وتبتعد عن التزامات الدولة المدنية التي أكدت عليها نصوص الدستور. لذلك برز الكثير من القوى السياسية ذات المرجعية الدينية أو الطائفية أو القبلية.

غني عن البيان أن هناك قوى، ربما تكون ذات طابع مدني، مثل المنبر الديموقراطي الكويتي أو التحالف الوطني الديموقراطي وتجمعات صغيرة أخرى. هل هذه القوى -وهي امتداد للحركة القومية في الكويت، والتي بدأت نشاطها في البلاد منذ مطلع القرن العشرين- تملك القدرة على التبشير بحياة ديموقراطية، وتقود البلاد نحو بناء حياة ديموقراطية شاملة؟ حتى الآن لا يبدو ذلك ممكناً. هذه القوى لم تطرح برامج عمل سياسية واقعية تمكن من تطوير الواقع السياسي بموجب الآليات التي حددها دستور 1962. احتلت عناصر ورموز لهذه القوى مقاعد في مجلس الأمة على مدى الفصول التشريعية منذ بداية الستينات، ولم يتقدم الأعضاء الممثلون لهذه القوى بمشاريع قوانين محددة لتطوير الحياة السياسية واستكمال الحياة الديموقراطية وتعديل القوانين غير الدستورية، وتلك التي تحدّ من التعدي على الحريات الشخصية والعامة. كما أن القوانين التي تحدّ من حرية التعبير وحرية التجمهر والتظاهر لم تحظَ بالاهتمام من القوى ذاتها، فمثلاً ظلت عقوبات السجن قائمة لجرائم وجنح الرأي والتعبير والتجمهر من دون تغيير، في حين كان بالإمكان تبديلها بغرامات مناسبة. كما أن هذه القوى ظلت تعتمد على فلسفة مناكفة السلطة ومخاصمتها، دون محاولة التأثير الإيجابي على توجهاتها بما يعزز الحياة الديموقراطية والمزيد من الانفتاح الحضاري. ولذلك فإن هذه التيارات السياسية ظلت تصطف مع القوى الرجعية وذات المرجعيات الدينية والقبلية عندما تقف هذه القوى ضد السلطة، وكأن الهدف الاستراتيجي هو معارضة السلطة من دون تحديد مواقف واضحة من القضايا ذات الصلة. أيضا، خلال الأحداث الأخيرة لم يتمكن المواطنون من فهم الأسباب التي دعت هذه القوى الوقوف مع تيار المقاطعة الذي تبنته قوى متخلفة مناهضة للتحديث الاجتماعي والإصلاح الاقتصادي.

الآن يدعو عدد من عناصر ما يطلق عليه بالتيار الوطني إلى الحوار، ولكن ليس من الواضح من هم المعنيون بالحوار، وما قضايا ومواضيع الحوار الوطني العتيد.. هل سيكون الحوار مع أطراف المعارضة الدينية والقبلية، أم سيكون الحوار مع تيارات العمل الديموقراطي؟ هل سيكون هناك برنامج للإصلاح السياسي يعزز تطوير الدولة مؤسسياً وينقل البلاد إلى شواطئ الدولة المدنية؟ كيف يمكن فهم العلاقة مع السلطة الحاكمة بموجب نصوص الدستور الذي ارتضاه المواطنون في الكويت؟ ما الطروحات بشأن إصلاح الحياة الاقتصادية والسياسات المالية التي تعتمدها البلاد في الوقت الراهن، وهل يمكن بناء أسس لاقتصاد يرتكز على عناصر التنمية المستدامة؟ كيف يمكن إصلاح النظام التعليمي، بما يؤدي إلى إنتاج كوادر بشرية قادرة على مواجهة متطلبات التنويع في القاعدة الاقتصادية والابتعاد عن آليات الاقتصاد الريعي؟

بتقديري المتواضع، هذه تحديات مهمة أمام أي تيار ديموقراطي تقدمي يهدف إلى إصلاح الأوضاع في مختلف المجالات، ويعمل من أجل الخروج من الأزمة الراهنة العقيمة.

عامر ذياب التميمي
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.