ناصر العطار: الحرية


يقال والقول صحيح إن أسوأ ما تتعرض له أي فكرة خلابة هو تفريغها من مضمونها، وتشويه فحواها، وبالتالي تعطيل ما تدفع إليه، وتغيير مجراها، ويصبح الحديث عنها بعد ذلك تنظيراً لا يعبر عن حقيقة، ولا يصل إلى هدف. وحتى تكون الديموقراطية كفكرة خلابة وسيلة متاحة بحق، وعدالة للجميع، يجب أن تتمسك بصلبها لا بآليتها فقط. والحرية هي صلب الديموقراطية، حيث إن حرية معرفة الحقائق وحرية تداول المعلومات تضمن حرية تحديد الخيارات، فالذهاب إلى مركز اقتراع ورمي ورقة انتخاب في صندوق، يعتبران آلية يجب أن تسبقهما معرفة دقيقة، قدر الإمكان، بشأن أحوال القوى السياسية المرشحة، وأسباب تقدمها وقوتها، حتى يعرف بعد ذلك أسباب فوزها واكتساحها بديموقراطية حقيقية، تسبق حرية المعرفة فيها حرية الاختيار. وقد حل الربيع الذي أسمه عربياً باكتساح قوى الإسلام السياسي كل مجلس وبرلمان، وبالطبع اختيارها ليس فيه تزوير أصوات، لكن حرية المعرفة تستدعي التوقف والسؤال، لماذا جاء الاكتساح والربيع قد بدأ عربياً ينادي بالحرية والمدنية، وانتهى أصولياً لا يعترف بالطبيعة لا بحرية ولا بمدينة؟ وكيف بدأ الربيع زاهياً وشاباً، وانتهى مخضرماً وعجوزاً؟ وكيف شق الربيع طريقه في أرض أمة عربية لا يصح إلا أن تكون وطنية ومدنية بحكم الجغرافيا والتاريخ، ثم انحراف الربيع إلى مسار فرض التطبيق الواحد، والتفسير الواحد لشريعة الرحمن؟

يتساءل التيار الأصولي، وله حق السؤال، لماذا لا يقبل تفوقنا وقد جاء بديوقراطية؟ نعم، التفوق واضح، وآلية الديموقرطية سليمة، لكن على التيار الأصولي واجب معرفة أنه لولا تراجع تيار الوطنية العربية، وحقيقة تعجيزه لما كان هذا الاكتساح. هنا في الكويت، جاءت نتائج انتخابات مجلس الأمة، وهي ليست المرة الأولى، حاملة التقدم نفسه للتيار الأصولي، والحقيقة لا يجب أن يكون هذا التقدم مدعاة للاستغراب أو الفخر، فالتقهقر الوطني واضح منذ سنوات، وتعطيل تقدمه بتزوير نتائج فوزه، وإغلاق ناديه، وتفكك جبهته ساهمت بتراجع شعبيته، وتقدم غيره، وحل موقعه، فبالتالي تقدم الأصوليين كان بموجب آلية الديموقراطية، وليس بصلبها، وفي الكويت، وفيها بالتحديد، الأرض تتكلم وتقول إن هنا حرية وتعددية، ولولاهما لما أشرقت قاعة عبدالله السالم الديموقراطية، فكيف تحجب النتائج ما أشرقت به الأرض؟! إن عرض الحقائق وحرية التفكير وحق المعرفة تكفل اختياراً ديموقراطياً لا يعبر قفط عن آلية سلمية، إنما عن صلب حقيقي.

ناصر العطار
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.