مع القفزات المتتالية للمؤشر السعري لسوق الكويت للاوراق المالية، بدأت التساؤلات تكثر حول طبيعة ارتفاعات المؤشر السعري، وهل تعكس القيمة الحقيقية للاسهم والسوق؟. في الواقع، ومن خلال بحث في المعادلة التي تعتمدها بورصة الكويت لحساب المؤشر السعري، وذلك قبل تطبيق نظام التداول الجديد وبعد ذلك، تبين ان المؤشر السعري ليس سعريا حسب المفهوم العالمي للمؤشرات السعرية، اذ انه لا يفرق فعليا بين سعر سهم كبير وسهم صغير، حيث من الطبيعي ان تتأثر مؤشرات السعري (نسبة الى اسعار السهم) بالاسهم ذات الاسعار العالية منها للاسهم ذات الاسعار المنخفضة، اذ تُشكل الاسهم ذات الاسعار المرتفعة وزنا اكبر في المؤشر. ولتوضيح ذلك، انه لو افترضنا أن السوق محصور في سهمين فقط، احدهما بسعر دينار والآخر بسعر 100 فلس مثلا، وارتفع الاثنان بنسبة %10، لكانت زيادة السهم الأول 100 فلس تؤثر في المؤشر بعشرة أضعاف تأثير الـ10 فلوس للسهم الثاني وهكذا.
سلوك فاسد
وعند تحليل تأثير معامل التصحيح في معادلة السوق الكويتية، قبل تطبيق نظام التداول الجديد وبعده، يتبين ان ثمة مشكلة في طريقة عمل معامل التصحيح. فلو افترضنا ان معامل التصحيح يساوي 1 (أي بدون تأثير)، يصبح مفهوم المؤشر السعري في بورصة الكويت هو مفهوم المؤشر المتساوي التأثير (Equally Weighted Index)، اي تؤثر نسب الزيادة في سعر كل سهم بشكل متساو. فمثلا، تأثير 10% زيادة في السعر متساو لكل من السهم المرتفع السعر والسهم المنخفض السعر. ولكن، مع تطبيق معامل التصحيح، يلاحظ ان هناك اشكالية في قيم الاسهم حسب معامل التصحيح، فقد يكون مرتفعا لبعض الأسهم ومنخفضا لأسهم أخرى. فحسب بحث اجريناه قبل اعتماد نظام التداول الجديد، تبين ان تأثير نسبة تغير في سعر سهم معين 7 أو 8 أضعاف هي نفسها لسهم آخر بصرف النظر عن قيمة السعر، وهو ما أفسد سلوك المؤشر وجعله سلوكا غريبا في الاستجابة للتغيرات في أسعار الأسهم.
كيفية التأثير
وللتوضيح، ان وزن كل سهم في حالة تطبيق معامل تصحيح يساوي 1 هو: 1/196 أي عدد الأسهم المدرجة، أي تقريبا 0.51%. ولو افترضنا ان سهما معينا سعره 20 فلسا وصعد فلسين، اي بنسبة 10% سيرتفع المؤشر السعري بنسبة 0.51% تقريبا، وهو ما يعني ارتفاع المؤشر 35 نقطة تقريبا على اساس يومي. والعكس صحيح لو افترضنا نزول السهم فلسين، اي إلى 18 فلسا، ثم عاد للارتفاع الى 20 فيكون التأثير اكثر من 11%، اي اكثر من 35 نقطة لسهم سعره 20 فلسا، وهو منطقيا سهم لا يستحق الاستثمار فيه.
ويمكن الاستنتاج من هذه الحسبة، ان طريقة حساب المؤشر تميل الى تقليل آثار الانخفاض وتزيد من آثار الصعود، وهذا الامر يدعو الى فتح تحقيق لانه قد يكون ما يجري يعد تضليلا للمستثمرين والمساهمين، واذا اردنا الا ندخل في النوايا، لكن قد يكون ذلك مقصودا للتأثير في المضاربين ونفسيات المستثمرين.
وعلى ما يبدو فانه تم تعديل معامل التصحيح بعد اعتماد نظام التداول الجديد، وتمت اعادة معامل التصحيح الى 1 لجميع الأسهم حسب ما يظهر من البيانات، (للتوضيح ايضا: أي ان وزن كل سهم في حالة تطبيق معامل تصحيح يساوي 1 هو: 1/196 أي عدد الأسهم المدرجة، أي تقريبا 0.51%).
لكن هذا الوضع لا يستمر طويلا حتى تتغير الحسابات، ويبدو ان ما يغير الحسبة هي التوزيعات وزيادات رأس المال. فحسب بيانات 2013 وبسبب تخفيض رأس المال لشركة الأمان (على سبيل المثال وليس الحصر)، فإن تأثيرها على المؤشر اصبح أقل من نصف تأثير أي سهم جديد قد يدرج في البورصة (معامل التصحيح 0.404). فلو افترضنا ادراج اسهم اي شركة جديدة، لكان تأثيرها طبيعيا في المؤشر، حيث ان معامل التصحيح يساوي 1. والوضع نفسه يحدث في حالات زيادة رأس المال، حيث يصبح معامل التصحيح اعلى من 1. وايضا اذا شركة ذات سعر سهم مرتفع زادت رأسمالها بنسبة 5%، وقامت شركة اخرى ذات سعر سهم منخفض بزيادة رأسمالها بنسبة 20%، فإن تأثير الاخيرة في معامل التصحيح اعلى من تأثير الاولى، وهو ما يزيد وزنها داخل المؤشر ويزيد تأثيرها.
ويعني ذلك ان التعديل على معامل التصحيح لن يدوم طويلا، وربما نشهد في الفترات المقبلة عودة الى السلوك الغريب للمؤشر السعري كما حدث قبل تعديله.
انحياز المؤشر السعري للارتفاع.. هل هو مقصود؟
يبين الرسم ادناه باللونين الاحمر والاخضر حالة نزول سهم قيمته تحت 100فلس على المؤشر السعري في الكويت، حيث يظهرانحياز المؤشر للاسهم اثناء الارتفاع مقارنة مع الهبوط، فرغم ان القيمة نفسها انخفضت، الا ان نسبة الارتفاع كانت اكبر من نسبة الهبوط (تم احتساب الارتفاع والنزول على اساس يومي وهو 5%)، وهذا الوضع يتكرر بشكل دائم مع كل صعود وهبوط. ومن الملاحظ كما في الرسم ان مجموع نسب التغيرات في هبوط سعر سهم من 100 فلس الى 50 فلسا، كانت 66.8 في المائة، بينما كانت 71.8% عند الهبوط رغم ان السعر هبط بالنسبة نفسها 50%. ويدعو هذا الامر الى فتح تحقيق لانه قد يكون مقصودا للتأثير في نفسية المستثمرين وحثهم على الدخول في البورصة، بينما في الواقع المؤشر لا يعكس حقيقة تغيرا في الاسعار، بل ان السعر نفسه، لكن حالة المؤشر مختلفة.
* باحث وكاتب اقتصادي
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق