عواطف العلوي: لجنة اسمها من تسعة أسماء.. وحرفي جر

أعلم أنني بهذا المقال أتوغل في منطقة محرمة، لكنه موضوع يجب أن نتطرق إليه عاجلا أم آجلا، لا تصيّدا، وإنما نقدٌ من حريص مخلص.
ففي عام 1991، وبمرسوم أميري، أُنشئت «اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية»، مهمتها وضع خطة لتهيئة الأجواء لاستكمال تطبيق أحكام الشريعة بما يناسب واقع البلاد ومصالحها، وذلك عبر تصحيح المفاهيم، وتعميق البناء التربوي وإزالة العقبات، حتى يتم التطبيق على أرض انعقدت لها أسباب الاستجابة، وبمرسوم أميري أيضا تم تعيين أعضاء اللجنة من ذوي الكفاءة والخبرة والاختصاص، وخُصِّصت لأعمالها الاعتمادات المالية اللازمة من ميزانية الديوان الأميري الذي احتضنها تحت مظلته.
هذه نبذة عن اللجنة التي لا أريد تكرار اسمها حفاظا على المساحة المخصصة لكتابة المقال، ولأن المفردات التي يتألف منها تثير لديّ حساسية لا إرادية (لجنة، استشارية، عليا…)، المهم أن هدفها كما ترَون وباختصار هو أسلمة وشرعنة القوانين الكويتية على جميع الأصعدة.
الآن، وبعد 22 عاما من إنشاء هذه اللجنة، ومع احترامي لكل الشيوخ الأفاضل وغيرهم من أعضائها، أتساءل وكثير مثلي يفعلون، ماذا قدمت؟ ما هي إنجازاتها؟ كم قطعت من مشوار «تهيئة التربة» اللازمة لتقبل استكمال تطبيق الشريعة؟ كم من القوانين الوضعية تغيرت بجهود اللجنة؟ وللعلم، فإن المرسوم حدد مدة عمل اللجنة بسنتين من تاريخ إنشائها مع جواز التمديد، ولكن تغلب الجواز على الأصل، فكان تمديدًا يتبعه تمديد، مرارا وتكرارا، حتى تم تعديل المرسوم لاحقا لتظل اللجنة مستمرة في عملها، بل وتكاثرت -بالصلاة على النبي- وانقسمت فانبثقت منها خمس لجان فرعية (تشريعية وتربوية واقتصادية وإعلامية واجتماعية)، ولكل لجنة فرعية وُضعت أهداف عامة وأهداف خاصة، ومشاريع وبرامج وأنشطة وأدوات إدارة وتنفيذ ومتابعة وميزانية، حالها كحال كل اللجان العربية عامة والكويتية خاصة، زاخرة مسمياتها ولوائحها بالمفردات الفضفاضة التي تضعها على الرأس تنوّر، على الكتف تنوّر، على «أي حتة» تنوّر!
حقيقة بحثت عبر كثير من المصادر والمواقع لأستدل على إنجازات اللجنة، لأجد أن اللجنة بعد أكثر من عشرين عاماً لم تقدم سوى عشرة مشاريع، وحتى هذه العَشرة لم تحظ باهتمام كافٍ من البرلمانيين تحت قبة مجلس الأمة.
مئات الآلاف بل الملايين من الدنانير تقاضاها أعضاء اللجنة منذ نشأتها حتى اليوم، إلى جانب مصاريف تجهيز مقرها الفخم وتأثيثه والسيارات آخر موديل، والرحلات إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، ورواتب الموظفين ومطبوعات اللجنة.. إلخ إلخ إلخ، ويبدو أنها ستستمر عقودًا إضافية من السنوات لتنجز مهمتها، مما يدفعنا إلى تساؤل مشروع: هل ديننا «شديد الصعوبة والتعقيد» لهذه الدرجة؟! أم أن الشعب الكويتي منغمس في الانحراف والفسق والفجور ويحتاج لجهود مضنية حتى يتهيأ لتقبل «تطبيق الشريعة»، على الرغم من أن الكويت تزخر بالدعاة والجماعات الإسلامية القوية؟! هل من إجابة؟!
أفهم أن نهج اللجنة يتمثل في اللطف والتدرج والتعامل مع الواقع بفقه التصحيح لا الإلغاء، لتجنب نفور الناس وانقلابهم على ذلك التصحيح، وهذا هدف نبيل بل رائع بلا شك، ولكن أن يستغرق كل هذا الزمن دون نتيجة تُذكر، بل إن ما ألحظه ويلحظه الكثير، أن نسبة التفسخ الأخلاقي ارتفعت، والفساد وانعدام الضمير بات هو السمة السائدة في المجتمع للأسف، لذا فإن «تمطيط» مدة اللجنة بهذا الشكل ما هو إلا دليل عدم الجدية، بل هو هدر لأموال البلد تحت حجج وأعذار لم تعد مقنعة لتغطية عجز اللجنة عن تحقيق التوافق في بلد تتنوع فيه الملل والمذاهب والتيارات الفكرية والاجتماعية، بلد لم يستطع أحد فيه حتى اليوم.. تحديد ضوابط اللبس المحتشم..!
——————–
mundahisha@gmail.com
Twitter @mundahisha
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.