حامد الحمود: السنعوسي عن الذين يعيشون معنا

فكرة رواية «ساق البامبو» ليست بجديدة، إنما انتظرت مهلة إبداع سعود السنعوسي ليوظفها في إطار فني وغرض إنساني نال على أثرها جائزة «البوكر» التي يستحقها.

نحن لا نعرف إلا القليل عن هؤلاء الذين يعيشون معنا في منازلنا من العمالة الآسيوية، التي جاءت نسبة كبيرة منها من الفلبين. وهؤلاء مضطرون أو مدفوعون لتعلم لغتنا وعاداتنا، وكيف يعدون طعامنا لكي يحافظوا على وظائفهم. وقلما يتم التواصل بيننا في أمور تتعدى اعطاء أوامر لتنفيذ خدمات أو مهام نطلبها منهم. وإن حصل هذا فإنه يكون أمرا غير مألوف، قد تنتقد عليه من قبل اخيك أو صديقك أو ابنك أو ابنتك. فقد سادت «حكمة» على أن نبني بيننا وبينهم حاجزا سميكا لا تتجرأ على اختراقه الكلمات. ويعترف الروائي الكويتي الشاب سعود السنعوسي، الذي حاز جائزة البوكر العالمية العربية لعام 2013، التي أعلن عنها مؤخرا في أبوظبي، عن روايته «ساق البامبو» قائلا: «نحن منغلقون على أنفسنا، ولا ندخل الآخر إلينا، وهذا قادم من إرث شديد التعقيد. ولا أبالغ إن قلت أن أحد المدانين في هذا الأمر هو أنا، ولو أني لا أشعر بالندم تجاه ذلك لما كتبت هذه الرواية». ويعتبر الروائي سعود – الأصغر سنا من الروائيين العرب الذين فازوا بجازة البوكر العربية للرواية، وهو من جيل الكويتيين الذين نشأوا في بيوت تقوم فيها العمالة الآسيوية، وخاصة الفلبينية، بالطبخ والتنظيف والتربية. ولكي لا أُنْتقد من بعض الأمهات لتحميل الخادمات عبء التربية، فلنقل ان الخادمات وفي كثير من العائلات يقمن بالجزء الاصعب من العناية بالأطفال.

فكرة «ساق البامبو» ليست بجديدة. رجل غني يتزوج من خادمة، يطردها مع ابنها بعد الإنجاب. لكن هذه الفكرة ظلت مهملة تنتظر إبداع سعود السنعوسي ليوظفها في إطار فني وغرض إنساني، لتصبح رحلة بحث عن الذات يقوم به عيسى حسب ما سماه أبوه، أو خوسيه لتسمية أمه. فعيسى الذي غادر الكويت مع أمه عندما كان عمره شهرين، وبعد حياة فقر ومعاناة في الفلبين، وبتشجيع من أمه يقرر العودة إلى الكويت بعد أن بلغ الثامنة عشرة، ليبحث عن أبيه وأهله ووطنه الآخر. ولا بد من الإشارة هنا الى أن سعود، ليعيش أجواء شخصياته الروائية، مكث فترة في الفلبين، وزار قرى لا تجذب السياح العاديين. لقد أكمل بحثه ليغني خياله، وليعبر بصدق عن الشخصيات التي صنعها.

هذا، ومع أن السنعوسي قد ذكر في مؤتمر صحفي أن قصته «خوسيه» أو «عيسى» لا تعتبر ظاهرة في المجتمع الكويتي، فإنه «ربط بين حالة التكتم والوضع الثقافي على وجه الخصوص». والروائي ليس مصلحا اجتماعيا، لكن لديه الجرأة والقدرات الفنية لجذب الجمهور نحوه لإثراء الحوار. ولعل أهم ما يثيره من مواضيع هو كيفية التعامل مع هؤلاء الذين يعيشون بيننا، وأن نحاول أن نتخيل ظروف هجرتهم المؤقتة التي عادة ما يكون توفير مصدر مالي لتربية ابنائهم الذين تركوهم في أوطانهم. وفي هذا المجال، أذكر أن كاتبة سعودية قد كتبت قصة قصيرة، تصوّر فيها معاناة سعودية، اضطرتها الظروف الى العمل في غير موطنها في منزل لا يفهمون فيه لغتها، لكي تضع مواطنيها في جو معاناة الخادمات الآسيويات.

لا شك في أن فوز الروائي الشاب سعود السنعوسي بهذه الجائزة المميزة من بين أكثر من 130 متقدماً، من بينهم عمالقة مثل: إلياس خوري وإبراهيم نصر الله، وسنان أنطون، يعتبر حدثا خالدا في تاريخ الأدب الكويتي. ولا شك أن أعظم تكريم للكاتب هو أن يُقرأ. ولعل شريحة الشباب في مجتمعنا ستعجب بهذه الرواية، وهي رواية يمكن أن يبدأ أو يميل الى قراءتها جيل لم يتعود قراءة الرواية من قبل. ويمكن لوزارة التربية والجامعات المحلية أن تلعب دورا مهما في جعل «ساق البامبو» جزءا من مقررها.

د. حامد الحمود

Hamed.alajlan@gmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.