ما أحببت الشكوى في حياتي قط، بل كنت دوما أبدلها بالتضرع لله جلّ وعلاّ ان يمطرنا ببعض من فضائله.. لعل ذاك الإمطار يمحو – قسرا أو طوعاً – ذاك الرماد الذي يكسو النفوس البشرية من تجني الآخر وما خاب ظني، فكانت المبهجات تتوالى الواحدة بعد الاخرى.
أولها كان ذاك الكتاب الصغير الأنيق الصادر عن (مجلة العربي) المعنون (ويسهر الخلق) للمبدعة الأدبية سعدية مفرح، وفي لحظة أو اصغر أو اقل منها وجدت لساني يسحب من ذاكرتي قول المتنبي:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصموا
الله عليك يا متنبي!!! الله عليك يا سعدية!!!
كم كنت بحاجة لمثل هذا المخزون من الروعة الأدبية شعراً ونثراً، فللمتنبي مكانة خاصة وللمعري ايضا والذي تذكر الأدبيات انه – المعري – هو المشار إليه في القصيدة لكونه (أعمى) وللاثنين موقع في (حلب)، بيت المتنبي هناك ومعرة النعمان مسقط رأس المعري، وكلا الموقعين قد كان تجديدهما وإعدادهما للزائرين قبل الطوفان المجرم.. فكيف لأدعو الشجن؟؟
المبهمة (2)
منذ شهور ثلاثة صعدت ببعض من أيام أو هبطت سمعت صوت جرس ثقافي يدّق باسم (سعود السنعوسي) وما كانت المرة الأولى فكان ذاك الضباب الذي اخترقته الكاتبة ليلى العثمان بتذكيري بأنه الفتى الذي فاز منذ بضع سنوات بجائزتها الأدبية المتواضعة – كما يحلو لها أن تسميها – للبراعم من الشباب تشجيعا لهم للولوج إلى دنيا الإبداع القصصي…
وهكذا، ومن تلك البذرة نبتت شجرة وارفة الظلال اسمها (ساق البامبو) التي أدارت مفتاح اهتمامي بعالم الإبداع فكانت المحطة الأولى على صفحات (مجلة العربي) في عددها الخاص بالعيد الوطني المجيد….
هناك التقيت بقلم وكاميرا المبدع الجديد في تحقيق صحافي (ريبورتاج) اعتاد أن يتوسط هذه المجلة العريقة واعتاد ان يدعونا لزيارة كل جمال للثقافة أو التراث في العالم من حولنا، لكنه هذه المرة شاء ان يركز رمح خيمته في سوق المباركية ويدعو هذا الشاب الجديد لغرسه فكانت رحلة من الإبداع اللغوي النابع من روح غامرة ومغمورة بتاريخ وتراث هذه الأرض الطيبة (الكويت) ومن الوصف بإحساس يكاد ينكسر صفاء وصدقا ومما جعل الصورة الشاملة أكثر عمقا وجمالا تلك الذائقة العجيبة التي ساقته للبدء والختام بإطلالة الأديب الكبير خليفة الوقيان بروحه وفكره ولغته واريحيته الملازمة لكل منابع الإبداع لديه.
ما زلت انتظر اليوم أو الفرصة للاستمتاع بقراءة (ساق البامبو) لأن الرواية والقصة القصيرة تتجاوز عندي (حكاية الأحداث) لأنني عاشقة للغوص ولا أحب السباحة السطحية وهذا يحتاج مني لزمن ووضع نفسي خاص لا املكه إلا في السفر.
لذا، قد أتمكن من القصة القصيرة وكذلك من الأقصر والمسماة (ق ق ج) وتسقط من بين يدي الرواية بانتظار صعودي لطائرة تأخذني لمكان ما….
تحية للنابغة سعود السنعوسي وتهنئة خالصة لرابطة الأدباء ومجلس ادارتها الجديد الذي لا شك انه سوف يزهو بهذا الابن الجديد الذي اتمنى ان اراه واسمعه على منصتها قريبا. ليقدم نموذجا للعمل الجاد والمثابرة درسا هاما لكثير من الشباب والشابات الطامحين والطامحات للشهرة الأصيلة بعيدا عن الاستعجال الإعلامي المؤدي إلى فقاعات تكشفها سرعة الرياح فتتوارى عن الأنظار.
تلك كانت شذرات سوف أحاول الرصد لكل ما يرفع الرأس ويخلع التعاسة من القلوب ويبدلها بالأمل.
فاطمة حسين
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق