“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” (المائدة 8).
أعتقد أن من يمارس المحسوبية ربما سيخاف من العقوبات المترتبة على تجاوزه القانون, ولكنه لن يستحي من الناس! أي أن مظاهر وأمثلة المحسوبية تكون عادة فجة وواضحة أمام عامة الناس فلا تكبحها الشعارات الرنانة أو تروع من يرتكبها, جهاراً نهاراً, التصريحات المدوية. المحسوبية تتم مكافحتها فقط عن طريق سن القوانين المضادة لها وتنفيذ تلك القوانين والعقوبات المتعلقة بها على أرض الواقع. فليس من الممكن أن يتم تكريس العدالة الاجتماعية في البيئة الانسانية وبشكل شبه كامل, ولا يمكن تحقيق مجتمع الكفاءة ما لم يتم تطبيق قوانين تكافح تعارض المصالح وتمنع المحاباة والتنفيع من أن تحدث. فالدول والمجتمعات الانسانية في عالمنا المعاصر بدأت تسن قوانين واضحة وصريحة ضد المحسوبية بكل أشكالها وأنواعها ويتم تطبيق هذه القوانين على الجميع دون استثناء وأحياناً بأثر رجعي!
إضافة إلى ذلك, أكثر ما يتضايق منه أعضاء المجتمع الديمقراطي استمرار وجود مظاهر التنفيع والمحاباة في بيئتهم الوطنية. فبالاضافة إلى كونها ظلماً لحقوق المواطنين الآخرين ستؤدي المحسوبية إلى إحباط الكفاءات الوطنية وإلى ترسيخ روح الاحباط وخيبة الأمل في المجتمع. فما دام الفرد الحر والمستقل والكفؤ لا يستطيع ربط آماله وتطلعاته الايجابية بما يمكنه أن يحققه في مجتمعه الوطني, فكيف به أن يستمر يمارس المواطنة الصالحة بينما يرقب ويلاحظ فجاجة المحسوبية من حوله?!
على سبيل المثال, في المجتمعات الإنسانية المتطورة والديمقراطية يتم الحرص على ترسيخ العدالة الاجتماعية والمساواة في مختلف أوجه الحياة اليومية. ولذلك تجد المواطن الذي يعيش في مجتمع الكفاءة يحاول قدر إستطاعته تحقيق مواطنة هادفة وإيجابية في مجتمعه لأنه يعرف أن جهوده الشخصية الايجابية وإخلاصه في عمله وتفانيه في أداء واجباته ومسؤولياته الاجتماعية سترفع من شأنه في مجتمعه وسيتم تقديرها والاعتزاز والاعتراف بها من قبل ذلك المجتمع. ولكن من يدرك أنه يصفق بيد واحدة فيدعو لتكريس المواطنة الحقة بينما يصطدم يومياً بمظاهر المحسوبية والتي تتناقض مع المواطنة الهادفة. أقول كيف سيكون شعور هذا النوع من المواطنين المخلصين عندما يشهدون المبادئ الأخلاقية السامية والشعارات الوطنية النبيلة يتم نحرها من قبل البعض على مذبح المحسوبية والتنفيع والمحاباة?! والله المستعان.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق