هل يؤمن من يشيع خطاب الكراهية والفتن بأن المواطنة الحقة تستوجب درء الخطر عن الوطن، وان الجميع مشاركون في السراء والضراء؟
منذ فترة يظهر لنا بين الفينة والأخرى من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي متطرِّف أُعميت بصيرته، أو معتوه منقلب المزاج، يدعي أنه مفكر إسلامي، وهو بهذا التصرف المتعمَّد يشوّه صورة الإسلام الذي يدعو إلى التسامح والتآلف، فيتكلم بلغة الحقد الدفين من قلبه وعقله ليسيء إلى الوطن الذي تربى في كنفه، والذي أفاء عليه من خيره، فينشر الكراهية والتكفير والفتن، فيفسد قلوب النشء ويلوث عقلها ويشق الصفوف ومكونات هذا الشعب الطيب ويحرّض أطيافه بأفكاره غير البريئة، فيبث سموم أسياده بهدف تنفيذ مخططاتهم الشريرة المنشقة من أحلامهم المريضة، ليشعل النار في جسد الأمة، وهو غير مدرك أن النار متى ما اشتعلت فسوف تشتعل فيه، فهي لا تفرِّق بين الأخضر واليابس، مما يعرض في نهاية الأمر أمن الجميع وأمانه للخطر، والجميع خاسرون.
لقد أصبح العالم من مشرقه إلى مغربه، ومن شماله إلى جنوبه، اليوم قرية صغيرة، تعيش على أرضه الشعوب في إخاء وود وتآلف، حيث تمازجت الثقافات والحضارات لتقدم البشرية وخيرها.
لكن المؤسف، أن هذا ومن على شاكلته لم يعوا ذلك، حيث يعملون على خلق التوترات التي ستؤدي إلى الصراعات بين مكونات المجتمع، ببث سمومهم التي تشق صفوفه من خلال عملية منهجية باتت مكشوفة. لذا، فإن من واجبنا التصدي لذلك بكل حزم وعدم الوقوف على حافة الهاوية، التي ستكون مصيرنا جميعاً، وهي بحد ذاتها جريمة بحق ديننا الإسلامي، وألا ندع الخلافات السياسية والإقليمية تنعكس على مجتمعنا، علينا تكريس المواطنة الحقة التي تتحمّل مسؤولياتها تجاه وطننا، والنأي عن ثقافة الاحتراب وخلق أجواء الحوار الثقافي الوحدوي بقبول الآخر وبتعزيز التعددية الفكرية والتعايش المشترك، لنبني ونعمّر ونبدع في سبيله، ومواجهة الأفكار الشريرة التي تغذيها الغرائز الشيطانية.
تشير دراسة قيمة – نُشرت في مجلة نيويوركر الأميركية، للصحافي الشهير سايمور هيرش عام 2007، تحت عنوان: «إعادة الاتجاه»The Redirection – الى أن الدوائر الرسمية الأميركية تعمل على استعمال كل الوسائل المتاحة بهدف إشعال الفتنة المذهبية في منطقة الشرق الأوسط، وذلك لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها، وخلق عدو جديد للعرب، بدلا من الدولة الصهيونية.
المؤسف في الأمر، أن هناك أناساً كالقطيع، تحركهم غرائزهم الشريرة، فيقعون فريسة ذلك من حيث يشعرون، أو لا يشعرون! وهنا، ينبغي التشديد بتطبيق القانون وعدم السماح لمن يشيع الفتن والكراهية في المجتمع، وعدم التساهل لمن تسوّل له نفسه حرق البلد، والعبث بمكونات المجتمع، بارتكاب هذه الجرائم التي تسيء إلى شرائح المجتمع المختلفة، فالتعايش لكل أفراده – بغض النظر عن توجهاتهم – يجب أن يُحترم، وهو في حقيقة الأمر أمر شرعي لتحقيق الأمن والأمان الاجتماعي، لحفظ كيان الدولة وأرواح مواطنيها، ذلك أن التساهل في ذلك سيؤدي إلى الفوضى التي تقود الى المجهول والهاوية.
موسى معرفي
Mousmarafi@hotmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق