ناصر العبدلي: كيف نعالج أمراضنا

الهدر في المال العام سواء كان متعمدا من خلال الاعتداء عليه ونهبه من جانب بعض المتنفذين على شكل مناقصات مفبركة، أو توزيعه على طريقة الحكومة الحالية تارة على شكل علاوات وتارة على شكل هبات للمتقاعدين، وأخيرا اشتراك مجلس الأمة في سباق هدر المال العام من خلال تخفيض سن التقاعد للمرأة، يؤدي إلى النتيجة نفسها، أي أن الجميع يشترك بشكل أو بآخر في هذا الهدر.
عندما رفع بعضهم شعار نهب المال العام من خلال توزيعه على البسطاء من المواطنين قبل نهبه من المتنفذين، عرفنا أن القضية ليست حفاظا على المال العام بقدر ما كانت رؤية متخلفة لمقدرات الدولة وسوء فهم لما تعنيه فكرة المال العام، على اعتبار أن النتيجة واحدة، فمن ينهب المال العام من خلال المناقصات هو الشخص نفسه الذي ينهبه من أجل البقاء في كرسي البرلمان، ويدفع المال العام ثمن ذلك.
لا يمكن تغيير تلك الثقافة التي انتشرت بين المواطنين، الذين يتسابقون للحصول على راتب دون أن يعملوا، فهي ثقافة تمكنت من الساحة بسبب ضعف البنى الشعبية التي أدارت البلاد خلال العقود الماضية، وفي طليعتها مجلس الأمة، فقد رسخت تلك المؤسسات مفهوم «الربادة» في جميع مفاصل الحياة حتى «تورمت» قطاعات الدولة وأصبحت عبئا على المال العام، التي تدعي تلك المؤسسات الحفاظ عليه.
حتى يمكن تجاوز حالة التقاعس الحالية، اضطرت بعض القطاعات للاستعانة بعمالة وافدة لتملأ الفراغ الذي تركته العمالة «النائمة»، وعندما ضغط على تلك القطاعات من أجل التخلص من العمالة الوافدة، تمخضت عقول القائمين على القطاع العام عن فكرة الاستعانة بالشركات لينطبق عليها المثل «بغى يكحلها عماها»، ليحمل المال العام أضعاف التكلفة فيما لو كانت تلك العمالة الوافدة ضمن قوائم ديوان الخدمة المدنية.
نحن بحاجة إلى مبادرة جديدة، ويفترض أن تكون محركاتها شعبية لتكون الحكومة جزءا منها وليست هي من يقف وراءها، تبدأ تلك المبادرة بتفكيك القطاع العام الضخم من خلال تحويل قطاعات الخدمات إلى شركات خاصة، وستوفر تلك الخطوة ملايين الدنانير على المال العام، ويمكن بعد ذلك قضم ما تبقى من القطاع العام مرحليا حتى التخلص منه بشكل كامل، فكل أمراضنا تكمن في وجوده.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.