وزير إعلامنا العتيد، اللي الحمد لله ما عندنا غيره، ليس هو أو حكومته الوحيدين اللذين ضبّطا الحرية. في الواقع هناك ما هو أسوأ من التضبيط. الذي يضبط يتولى اغتيال حرية الرأي بنفسه وصراحة أو «اشكره» مثل الوزير العتيد وحكومته. لكن هناك طرفا يتميز بالخبث واللئامة، وهو من يوكل الى الآخرين مهمة تقييد الحريات والحجر على العقول، بينما هو الذي يرفع الشعارات الديموقراطية المؤيدة لحرية التعبير مثل شعار معارضتنا الجديدة والمميزة «حرية حرية.. حكومة شعبية». لكن حرية من؟! وحكومة من؟ أعتقد لا داعي للجواب، ناهيك عن التساؤل أصلا.
هناك بدلا من «بديهية» الوزير، الحرية المضبوطة، هناك الحرية المسؤولة. والحرية المسؤولة حتى لا ينخدع أحد، هي التي تنادي بها مجاميع التخلف، على مختلف أنواعها وتعدد اتجاهاتها. طبعا عندما يصرّ متخلف، من إياهم، يعني السلف أو التلف، على الحرية المسؤولة، فهو قبل ذلك بكثير، في الزمان والمكان، يصرّ على أن تحديد «المسؤولية» عائد لحضرته هو، بما يخدم عقيدته هو، ويحمي مصالحه هو أيضا. هكذا هي الحرية المسؤولة. حرية الغشم والضبط والربط. أي ان يكون المتخلف والبدائي حرا، ومطلق اليد في تحديد حرية الآخرين وفي التحكم بتفكيرهم وآرائهم.
المتخلف يرفع بفخر في وجهك شعار «حريتك تتوقف عندما تبدأ حرية الآخرين». طبعا «الآخرين» هنا هم من يتحكم وهم من يملك زمام الأمور.. وهم في النهاية المتخلف نفسه ومن على شاكلته. والسؤال هنا: لماذا لا أكون أنا الآخر؟ ولماذا لا تتوقف حرية الأخ أو الإخوان أو بالأحرى السلف والتلف أو متخلفي جماعة المقاطعة عند حريتي، فيصبح محرما عليه وعليهم تقييدي أو الاعتراض على إبداء رأيي؟ حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، كلام جميل، لكن المشكلة أنه ليس هناك تبادل أدوار أو تغيير أماكن. فالجديد دائما هو المتطفل، وهو الذي عليه أن يراعي ويحسب حساب «حرية» القديم أو الآخرين، بينما القديم وكل متخلف وما عفا عليه الزمن هو «الآخر»، الذي ينتهي كل شيء عنده، ويركع الجميع وخصوصا الجديد عند قدميه.
الآخرون.. أو المتخلفون كما هو واضح ومقصود، ليسوا معنيين بحريتك أو حتى بشخصك وحقوقك. هم معنيون بحماية تخلفهم وتحصين البالي من معتقدات وفكر -إن جازت التسمية-، لهذا عليك، أو بالأحرى على حريتك، أن تأتي دائما في الأخير، في النهاية عندما تبدأ حريتهم.. والمشكلة الكبرى أن حريتهم لا تنتهي، فهي دائمة في بدايتها.. محروسة بقوة القانون ومفروضة بحكم المعتقد والدين.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق