مقولة الإخوة المصريين الشهيرة عن «الطماطم»، والتي تسمى شعبياً «القوطة مجنونة»، هي مثال على المضاربات المجنونة، فتكون أسعارها في هلك التراب لتصعد أياماً تعانق السحاب، وهكذا المضاربات السعرية في بورصة الكويت هذه الأيام، فهي بورصة مجنونة بحق، فما نشهده منذ أول العام الحالي من تضاعف أسعار لأسهم ورقية كانت تقيّم بأقل من «نصف المية» فلس، وكانت تشهد تداولات بكميات كبيرة، ولكنها أقرب إلى نقل الملكيات حتى جاءت المضاربات لتجعلها تتضاعف رغم عدم وجود نشاط فعلي لهذه الشركات التي يطلق عليها شركات ورقية.
إن لبورصة الكويت تاريخاً من الأزمات المضاربية بدأت في منتصف السبعينات، ثم أزمة المناخ في عام 1982 وامتدت آثارها حتى بعد الغزو العراقي، ثم أزمة عام 2008 العالمية، التي ألقت بظلالها على جميع الأسواق الناشئة بما فيها سوق الكويت، وفي جميع هذه الأزمات كان هناك ضحايا بالمئات، ومطالبات بدخول الأموال العامة لإنقاذ المضاربات المجنونة، وفي كل الأزمات كان الدرس الأقوى هو ضرورة انتقاء الأسهم التشغيلية ذات النشاط الموجود على الأرض وإدارتها معروفة لدى الناس بمهنيتها ومحافظتها على حقوق المساهمين، وهي شركات حرصت على تعزيز أوضاعها بالأزمات بطريقة محافظة ومن خلال مخصصات للخسائر وتطبيق المعايير المهنية في المحاسبة والإدارة، ولكن سرعان ما يأتي النسيان لبعض هذه القواعد الثابتة في الأسواق، والعدو ركضاً وراء جنون المضاربات وجنون الثراء السريع بأسلوب صالات القمار، وتبقى بورصتنا على طريقة «القوطة المجنونة» رغم كل التحذيرات والتعليمات وقوانين سوق المال القاصرة بالتطبيق والفهم، فالبورصة تشتعل بالمؤشر الأخضر بـ«جنون»، وعندما ينخفض المؤشر إلى الأحمر يثير «الجنون»، وفي كل الأحوال فإن المضاربات على الورقيات مجنونة.
د. محمد عبدالله العبدالجادر
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق