عواطف العلوي: إسفلت مزفِّت بزفت

كل ما أعرفه، بحسب ما سمعت من الخبراء، أن خلطة الأسفلت المثالية للطرقات هي عبارة عن قليل من القار (مادة الأسفلت البترولية) وكثير من الحصى مختلف الأحجام، يعمل القار على تماسكها وثباتها، وقليل من التراب والإسمنت، تُخلط كلها بنسب محددة في خلاطات تحت درجات حرارة عالية.
ولا أملك معلومات حول المواصفات التي تعتمدها وزارة الأشغال لفحص واعتماد الإسفلت المستخدم في تعبيد الطرقات وصيانتها في الكويت، ولا أدري إن كان هناك دراسات علمية معتمِدة على معايير فنية عالمية تقوم بها الوزارة قبل اعتماد أي نوعية من الإسفلت؟ وما هي المسطرة التي تعتمدها في تأهيل المقاول الذي يتكفل بعمليات صيانة الطرق؟ ولست واثقة إن كانت الوزارة تأخذ عينات من الطريق للفحص بعد الانتهاء من عمليات الصيانة، للتأكد من أن عملية الصيانة تمت بحسب مواصفات العقد المبرم مع هذا المقاول.
لكني هنا أسجل ما أراه ويراه كل مستخدم للطرقات في الكويت، بأنها ليست على ما يرام.. حالها كحال كل القطاعات الأخرى في الدولة، وبالرغم من بحبوحة الثروات التي تدرها علينا إيرادات النفط، وملايين الدنانير التي تُرصَد لمناقصات الطرقات، إلا أنها تظل شاهدا يوميا يفضح فساد إدارة هذا البلد وعفن ضمائر تجّاره.
نعم، هناك في البلد مقاولون مخلصون أمناء يتمّون المشروع حسب المواصفات بلا غش ولا احتيال، لكنهم قلة، وهناك من يفوز بالمناقصة بطرق غير مشروعة ولا قانونية لكنه في نهاية الأمر ينجز المشروع، يعني (حرامي بس وطني)، وهم قلة أيضًا، أما الصنف الثالث -وهو المهيمن للأسف- فهو الحرامي غير الوطني، الذي لا يتورع عن الغش في التركيبة، واستخدام أكثر المواد رداءة وسوءا لإنجاز المشروع الذي استحوذ أصلاً على مناقصته بما ملك من نفوذ سلطان تواطؤا مع قوانين يرى نفسه فوق مظلتها..!
ومن أيدي مقاولي الباطن الذين تُوكل إليهم مهمة تنفيذ المشروع، بعد أن تنحط من الشركة الأصلية بتحويلها إلى شركة أدنى منها فأدنى فأدنى، تخرج إلينا الطرقات متهالكة، تتلف بفترة وجيزة لا تتعدى العامين وربما أقل من ذلك، لتعلَن مناقصة أخرى للصيانة ترسو على نفس الحرامية، ولينجزوها بمثل الفساد الذي مارسوه في تنفيذ المشروع الأصلي.. وهكذا دواليك.. مئات الملايين تنتفخ بها أرصدتهم.. ومال عام يُهدر، وحوادث تتكرر، واستياء وتذمر وامتعاض من المواطنين يستمر، ومازال أصحاب الكروش «المستدامة» يصرِّحون بأن خطة التنمية «المستباحة» تسير كما هو مخطط لها، اطمئنوا واصبروا وصابروا..!
الآن نحن لا نريد تنمية، هَوَنّا! نريد فقط أن تسلم أرواحنا من تلك الانهيارات الأرضية والحفر التي يتجاوز عمقها أحيانا ثلاثة أمتار، وهي مستعدة لابتلاع ضحاياها، نريد السلامة لمرتادي الطرقات وسياراتهم وزجاجها من الحصى المتطاير من الطبقات السطحية للإسفلت المغشوش بعد أي رشة مطر تأتي عليها..!
ولتدرك معنى ما أقول، قارن بين ما يحدث على طرقاتنا، وبين مدينة مثل لندن لا يتوقف فيها هطول المطر ليل نهار، لكن لم تتجرأ «حصماية» أن تفارق مكانها في الأسفلت لتهشم زجاج نافذة سيارة وتتلفها، ولا انهيارات تعرض أرواح البشر لخطر الحوادث الكارثية.. لماذا؟ لأن من بنَى الطرقات هناك بهذا الإتقان والإخلاص يضع نصب عينيه أنه في بلد السيادة فيه للقانون، والسجن فيه وسوء العاقبة للمُفسد، وإن كان «بارونًا نبيلاً»..! وليش نروح بعيد! اسألوا أهل السعودية عن الطرقات التي أنشأتها شركات أجنبية قديمة هناك قبل ستين عاما، ومازالت حتى اليوم بنفس القوة والمتانة! راحوا الطيبين..!
لم أعد أخشى الفساد بقدر ما بِتُّ أخشى أن نستمرئه، فيصبح هو القاعدة.. والصلاح هو الشذوذ..!
——————–
mundahisha@gmail.com
Twitter @mundahisha
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.