لم تنته فصول مسرحية مشروع الداو بتسلم شركة الداو كيميكال قيمة التعويض المقررة، نظير إلغاء دولة الكويت للمشروع، وهو مبلغ كبير جدا خسرته دولة الكويت، وكان المفترض أن يكون هذا المبلغ من نصيب التنمية، ورفع المستوى المعيشي للمواطن الكويتي، عوضا عن خسارة الفرص الفائتة والأرباح الكبيرة التي حققتها الشركة، بعد إلغاء المشروع، وكان من المفترض أن تكون هذه الأرباح من نصيب الكويت، إضافة إلى خسارة السمعة في عدم التزام دولة الكويت بتعهداتها أمام المجتمع النفطي والدولي.
إن سعي البعض لـ «طمطمة» هذا الملف و«تسكيره» حاليا- بعد سداد قيمة التعويض، من دون محاسبة المتسببين في إلغاء المشروع وتغريمنا هذه المبالغ الطائلة- جريمة في حق الكويت وأجيالنا الحالية والقادمة، وهذه الأطراف المسؤولة متعددة.. فمجلس الوزراء السابق الذي ارتبك وتراجع في قراراته، من دون أساس فني أو علمي أو اقتصادي أو مراعاة لتبعات أفعاله، وعمل على إلغاء المشروع، يعد المسؤول الأول عن هذه الكارثة، وأعضاء المجلس الأعلى للبترول مسؤولون مسؤولية مباشرة عن إلغاء المشروع وتغريم الكويت، وهم من فوت الفرصة والأرباح على الكويت، وخصوصا أنهم الجهة الفنية ذات الاختصاص في المشروع، وهم ذاتهم من أكد سلامة المشروع، على الرغم من كل ما يثار حوله من شبهات وملاحظات، ثم بقدرة قادر يتراجع الطرف السياسي في هذا المجلس، حتى أدى إلى استقالة بعض أعضائه منه، ويعد مسؤولا كذلك كل طرف ممن دفع باتجاه إلغاء المشروع، من دون أساس، سواء كان هذا الطرف ذا مرجعية سياسية أو إدارية أو فنية.
مسؤوليتنا كشعب كويتي، ألا نقف صامتين حيال فشل الدولة في مشروع الداو وتبعات هذا الفشل، وعلينا جميعا العمل على محاسبة كل طرف متسبب في هذه الجريمة، قانونيا وسياسيا.. لذا، فإن واجبنا أن نعمل كدولة وشعب على محاسبة المتسبب، وذلك بإحالة جميع أعضاء مجلس الوزراء السابق المتسبب في إلغاء مشروع الداو إلى محكمة الوزراء، لتجاوزهم في حقوق الكويت القانونية والمالية، كما نطالب بإحالة جميع الوزراء من أعضاء المجلس الأعلى للبترول لمحكمة الوزراء والأعضاء الآخرين من غير الوزراء إلى جهات التحقيق، لمخالفتهم قانون حماية المال العام، والتسبب في تحقيق خسائر مالية كبيرة للكويت، كما تشمل المساءلة الجهات المختصة في الدولة، والتي استعان بها مجلس الوزراء لتبرير تراجعه غير المسؤول عن المشروع، والمساءلة لا تقف عند الجانب القانوني، فالمراقبة الشعبية والسياسية لمواقف جميع الأطراف يجب أن تفعل، بما يكفل محاسبة المقصر والمخطئ في حق الدولة والشعب، كما أننا مطالبون- كشعب- أن نعمل على تشكيل لجان تحقيق برلمانية في مجالس شرعية، ولو بعد حين، لعمل وإنجاز تحقيق برلماني سياسي بشأن المخالفات القانونية والسياسية في صفقة الداو كيميكال، وإعلان نتائجها بكل شفافية على الشعب، بعد أن فوت مجلس 2008، بأعضائه النواب ممثلي الحكومة، الفرصة لتحقيق لجنة تحقيق برلمانية شاملة في كل ما أثير بشأن هذا المشروع.. وكدروس مستفادة، يجب العمل، سياسيا وإداريا، على وضع ضوابط ومعايير وإجراءات تكفل حماية المشاريع الفنية، وبالأخص النفطية، من التقلبات السياسية وضعف الإدارة الحكومية، وبما يكفل تحقيق استقرار للمشاريع الكبرى على نحو يضمن الالتزام بالدستور والقانون وكفالة الشفافية وتحقيق العائد الإيجابي للدولة.
لقد أكدنا مرارا أنه في ظل غياب الإدارة الرشيدة على نطاق الحكومة ومجلس الأمة، فإن نتائج إدارة الدولة ستكون وخيمة وعواقبها فاشلة.. لذلك، وحتى لا تتكرر مسرحية فشل الدولة في مشاريع وبرامج مماثلة لمشروع الداو، فإن الخلاص يرتكز على قيامنا بتطوير حياتنا السياسية، تشريعيا ودستوريا، بما يكفل وصول إدارة قوية وأمينة وذات كفاءة وبرنامج قابل للتنفيذ، وكذلك وصول برلمان أكثر رشدا، في إطار قواعد النظام البرلماني الكامل، بما يضمن توافر الإدارة الغنية القادرة على إحداث التطوير والتقدم المطلوبين.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق