يوسف العنيزي: حفيدي

حفر وأكوام من القمامة في الشوارع مع سيارات محطمة على الجانبين، ازدحام غير معقول في كل الأوقات وفي كل الاتجاهات، كل ذلك يمكن تقبله والتعايش معه مع الإكثار من الدعاء إلى الله أن يهيئ للكويت من أبنائها مَن يحبها ويقيل عثراتها؛ لتعود شوارعنا إلى سابق عهدها من النظافة واختفاء الحفر والسيارات المحطمة.
تعليم ليس بالمستوى المطلوب مع مبان ومدارس أكل الدهر عليها وشرب، لكن الأمل موجود بعودة النهضة… ثم مطار نال لقب “مأساة” بدرجة امتياز وجدارة، ولكن معاناة المسافر تتلاشى في اللحظة التي يعلن فيها قائد الطائرة ضرورة ربط الأحزمة استعداداً للإقلاع.
صراخ الأغلبية “المبطلة” وهي في الرمق الأخير يمكن مواجهته بشراء قطعتين من القطن، فينتهي ذلك الصراخ وكأنه غير موجود… وقائمة لا تنتهي من المشاكل التي سبق الكتابة عنها مع الكثير من كتّاب الرأي حتى جفت الأقلام أو كادت، والتي تعانيها البلاد منذ سنين وربما سنين قادمة، لكن… ولكن هنا يجب أن نقف عندها طويلاً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بحياة الإنسان وصحته… فهل هناك أغلى من ذلك؟ إنه أمر لا يمكن السكوت عنه، نعم ليس بيدنا شيء نعمله، فلسنا ممن يتقن النزول إلى الشارع، ولسنا ممن يحسن افتراش الأرض أمام مجلس الوزراء أو مجلس الأمة، ولسنا أصحاب حناجر تتقن الصراخ والعويل والتهديد والوعيد، إذن ليس أمامنا إلا شرح الوضع وتوجيه النداءات لمن بيدهم الأمر… وكلنا أمل أن تصل صرخات الألم لكل مسؤول في الدولة.
في الأيام القليلة الماضية تعرض أحد الأصدقاء لألم مفاجئ في الخاصرة، فذهب إلى ما يسمى “مستشفى مبارك” حيث أُدخل صالة الملاحظة أو “سوق الجمعة”… لا فرق كبيراً بينهما، ذهبت إليه في اليوم الثاني للاطمئنان عليه، حيث وجدت أحد الممرضين الذي أطلعني على التقرير الطبي الذي يفيد بوجود اشتباه في التهاب في الزائدة الدودية، ويحتاج إلى عملية عاجلة، ونظراً لعدم توافر غرف في المستشفى فقد تقرر تحويله إلى المستشفى الأميري، مضى كل ذلك الوقت من المساء إلى الليل بطوله إلى منتصف اليوم التالي والصديق يعاني الألم لا يستطيع معها الجلوس أو النوم أو الوقوف، وكان على وشك الصراخ، وعليه فقد اتفقنا على نقله إلى “مستشفى الهادي”، وهو الأقرب، لكن الممرض المسؤول أبلغني أنه غير مسموح لسيارات الإسعاف نقل أي مريض إلى المستشفيات الخاصة، ولا أعلم الحكمة من ذلك… علماً أنه لا يوجد في المستشفى بأكمله سوى سيارتي إسعاف فقط؛ إحداهما في مهمة، والأخرى معطلة! وعليه فقد تم نقل الصديق بسيارتي الخاصة وتحت مسؤوليتي… وتم إجراء العملية بسرعة وإنقاذ الصديق.
***
أما الموضوع الآخر، الذي يتعلق بحياة الإنسان… فلهذا الموضوع أهمية خاصة عندي لأنه يلامس وجداني وعقلي، وهو يختص بفئة من أطفالنا ممن يعانون “اضطراب التوحد”، ففي الأيام القليلة الماضية أجرت “قناة الراي” الفضائية حواراً مع كل من السيدة ياسمين القلاف، والسيدة عدوية الفيلكاوي، والسيدة هبة العصفور، والسيدة إيمان الفودري… وكل منهن تستحق بجدارة الحصول على وسام من الدرجة الأولى، فقد وهبهن الله أطفالا يعانون “اضطراب التوحد”، فلم تَلِن لهن قناة ورضين بهبة الرحمن وواجهن الأمر بحزم وإصرار.
فتربية أطفال بهذا الوضع تحتاج إلى أضعاف الجهد الذي يحتاجه غيرهم، ولم يكتفين بذلك بل قمن بالتجوال حول العالم للبحث والتحري، حيث أثبت العلم والدراسات والتجارب إمكان الشفاء وبنسبة عالية تتراوح ما بين 70 إلى 90 في المئة، لكن ذلك يحتاج إلى جهد ليس بمقدور أشخاص توفيره بل يحتاج إلى جهد دولة.
وللأسف لا يوجد في البلاد إلا مركز “خاص” واحد يضم خبراء عالميين وبعلاج متطور جداً، لكن المشكلة أن المواطن العادي لا يستطيع تحمل التكاليف والأسعار التي يتطلبها هذا المركز المتخصص.
وكم هو مؤلم ألا يوجد في البلاد مراكز حكومية لمتابعة تلك الحالات أسوة بدول العالم والدول من حولنا، فهل يعقل هذا في بلد أفاض الله عليه من خيره الذي وصل إلى أقاصي الدنيا ونبخل على فئة من أطفالنا، في الوقت الذي نفخر أو نخجل من الإعلان عن تحقيق فائض يقارب العشرين مليار دينار، علماً أن من يعانون التوحد في الكويت يقدر عددهم بما يتراوح بين 2000- 2500. وهنا لا بد من الإشادة بعائلة “الخرافي” لقيامهم بإنشاء “مركز الخرافي لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة” ومن ضمنهم ذوو الاضطراب التوحدي، والذي يقع في منطقة غرب مشرف.
وكم يزداد ألمي عندما أرى ابنتي فاطمة التي وهبها الله طفلاً يعاني التوحد “إسبرغر” “Asperger syndrome”، فلم يفت ذلك من عضدها ولم تجزع أو تستكن، فقد وهبها الله أيضا جرعات من الشجاعة لمواجهة الأمر بقوة تفوق سنها، وقامت بمراجعة العديد من المراكز المتخصصة داخل البلاد وخارجها.
ولكم أشعر بالألم أيضا لفراس والد حفيدي الذي يتولى مع إخوانه من منتسبي القوة البحرية مسؤولية حماية الكويت الغالية يجوب البحار وقلبه معلق بولده “محمد”، أنا على يقين بأن ما تقدمه دولة الكويت لمواطنيها ليس له مثيل في أي دولة من دول العالم قاطبة، ولكن ذلك لا يعني عدم وجود قصور في بعض النواحي التي قد تكون قد غابت عن الاهتمام، وبالتأكيد منها هذه الفئة من الأطفال… فما الذي يمنع من إقامة مراكز حكومية عدة تخفف العبء عن العائلات وتقدم العلاج بأساليب حديثة قد تؤدي بإذن الله إلى شفاء بعضهم، فالمساعدات المادية لا تغني عن إقامة تلك المراكز.
إنها صرخة من قلب كل أم وكل أب وكل عائلة وهبهم الله طفلاً يعاني التوحد نوجهها لكل من يسكن الخير قلبه، والرحمة وجدانه، ورفع المعاناة أو تخفيفها ديدنه، وبالتأكيد يأتي على قمة هؤلاء والد الجميع سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه.
ودعاؤنا إلى الله سبحانه وتعالى أن يحفظ الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.