يتساءل كثيرون، اغلبهم بـ «زغالة» وبعضهم بسذاجة وقليل منهم يبحث بالفعل عن جواب. يتساءلون عن الاسباب التي تدفع بقوى مدنية وبشخصيات كان لها تاريخ مشهود في النضال الوطني من اجل الديموقراطية والحياة البرلمانية، يتساءلون عن اسباب ميلها هذه الايام الى جانب قوى الردة، ومطالبتها او الحاحها على ضرورة الانقلاب على النظام الديموقراطي او تعليق المواد الدستورية. وضع بالفعل غريب وجديد، يقابله على الوجه الآخر وضع اكثر غرابة ولغزا، وهو ان المجاميع المتخلفة والساعية دوما وابدا الى تقييد الحريات والى جر المجتمع سياسيا واجتماعيا الى الخلف، هذه المجاميع هي من «يحمي» الدستور وهي من يتشدق ويتغنى بالديموقراطية والحفاظ على مجلس الامة هذه الايام. انه بالفعل وضع محير، فاليمين اضحى يسارا واليسار انتقل الى اليمين! لكن هل هذا هو الواقع عن حق وصدق؟!
هناك خلط واضح للاوراق، وهناك ادعاءات واكاذيب تطلق من قبل البعض، خصوصا في ما يتعلق بالديموقراطية والدستور. ليس من اليوم، على الاقل بالنسبة لي شخصيا، ولكن منذ امد بعيد، حذرنا من جماعة «الا الدستور» ومن كل مدعي الحفاظ على الدستور والنظام الديموقراطي. لاننا وقتها كنا على ثقة بان الدستور الذي يدعون الحفاظ عليه هو دستور وليد الطبطبائي واحمد السعدون، هذا كان بالامس، اليوم هو دستور اسامة مناور ومحمد هايف.
ليس غريبا ولا عجيبا ان اول من نادى بالمبدأ الديموقراطي الاساسي في تداول السلطة او «الحكومة الشعبية» كان حزب الامة. وليس حزب الامة المنفتح نسبيا اليوم، بل حزب الامة عندما كان بقيادة أكثر متطرفي السلف تخلفا وبقية متطرفي السلف. لكن بالطبع تداول السلطة مثل الحرية مثل العدالة عند «المعارضة الجديدة» هي حريتهم هم وحدهم، تداول السلطة بينهم، داخل الإطار السلفي المتخلف، بين السلف والاخوان، او بين اهل السنة والجماعة.. ولكن ليس للغير، وليس للخارجين عن الملة او المذهب. حريتهم هم في الحديث وفي التشريع من دون سند او دستور. (كل القوانين التي سنها مجلس الامة هذه الايام او مشاريع القوانين المطروحة كلها مخالفة للدستور). والعدالة لهم ولجماعتهم، فهي تحمي المعتدي منهم، في حين تتغاضى بكل صفاقة عن حق الغير بحجة انه «ما يستاهل».. باختصار، الحرية والعدالة والمساواة هي حقوق للفرقة 73 وليست لاحد خارجها!
لذلك ليس من عجب ولا حتى حرج ان يقف الاحرار والديموقراطيون الحقيقيون ضد الحكم البرلماني الحالي.. فهو حكم برلماني انتخابي وليس حكما ديموقراطيا يخضع للمبادئ الديموقراطية ويقيم وزنا للدستور.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق