هذه الأيام واضح ان الجميع معني بعقد شركة «الداو»، وان الكل يريد ان يضع له بصمة في الحملة الشعبية الناقمة على خسارة الملياري دولار. وواضح ايضا ان احدا من هؤلاء المعنيين بشدة بالامر، ليس معنيا كفاية او هو ليس معنيا على الاطلاق بالخسارة الحقيقية التي عانتها وتعانيها الكويت، والمتمثلة في خسارة مشروع مربح مثل الداو كيميكال وارباحه التي تعدت ضعفي الغرامة التي يتباكى عليها الجميع. وحتى نُفهم من لم يفهم، او نصفعها بوجه من يصر على تجاهل آثار «الالغاء» ان الخسارة الفعلية لالغاء عقد «الداو» هي اضعاف الغرامة التي دفعناها. هذا طبعا الجانب المالي فقط. لكن هناك الجانب التنموي والاجتماعي المتمثل في تشغيل آلاف الكويتيين ــــ هذا ما هو مفروض ــــ الى جانب احتلال الكويت مكانا متقدما، ان لم يكن رئيسيا، في صناعة البتروكيماويات على مستوى العالم كله. نعم على مستوى العالم وليس على مستوى الشرق الاوسط كما يردد في العادة الاطفال المأخوذون بمرحلة البلوغ.
اليوم الجميع مهتم، والجميع يشارك في جلد الاخرين، في الغالب لتبرئة ذمته. لكن احدا من هؤلاء لم يدافع بحق ولا حتى بباطل عن المشروع عندما كان عرضة للنقد. الجميع تخلى عن مسؤولياته، والكل اخذه صياح نواطير المال العام وضجيجهم فالتزم الصمت واختار السلامة. لم يدافع عن المشروع ــــ وحيدا ــــ حسب ما اذكر الا وزير النفط محمد العليم.. والبقية تخلّوا عن مسؤولياتهم التي اكتشفوها بمبالغة هذه الايام. حتى الحركة الدستورية الاسلامية، التي أصدرت بيانا ناريا قبل ايام تطالب فيه باحالة المتسببين في دفع الغرامة ــــ لاحظ المتسببين في دفع الغرامة وليس المتسببين في الالغاء – الى النيابة، الحركة الدستورية تخلت حتى عن وزيرها وفضلت وقتها التزام الصمت واختيار مهادنة المعترضين على الدفاع عن المصلحة العامة او على الاقل مساندة وزيرها الذي تفرد به النواطير. لقد «أكل نواطير المال العام» الجو، وحيدوا الجميع، بحيث ان الحكومة التي وجدت نفسها وحيدة لم تجد بدا من الرضوخ وإلغاء المشروع التنموي لانقاذ نفسها واطفاء الازمة مع المعارضة كما توهمت.
هذا ليس ندبا للماضي، وليس حتى محاولة لاتهام او تحديد مسؤولية احد. لكن هو بالاساس محاولة جادة لانقاذ انفسنا من بلاء حماية المال العام. ووقف هوس حمايته ووضع حد للجمود والعزوف التنموي الذي تزامن معه. مليارا دولار قوية.. لكن الاقوى منها هذه العشرون سنة التي مرت وعيون الكويت مبققة ويداها مغلولتان.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق