ناصر العمار: ما بين “تراجي” بو منصور وتواليت أم مريان

اعلم ان التغير الاجتماعي بمعناه العام يشمل التغيير في جميع انواع العلاقات الاجتماعية واطرافها، والتغيرات الثقافية بكل ما يشمله فهم الثقافة من معان وافكار وقيم وادوات ومواضيع، وبذلك يمكن القول ان التغيير يكون في مناح عدة من الحياة.
ويهمنا هنا التغيير حول مستوى الفعل والسلوك وما ينتج عنه من عمليات تفاعل وعلاقات تنظم أسلوب حياتنا. ومن الضروري في هذا المقام ان نخوض في بعض انماط التغير وما طرأ عليه من تحول للمعايير والقيم والاذواق ومن أفعال (عيالنا) سواء البنات منهم او الصبيان، لان سلوك البعض محير وبات أمرهم في حكم المجهول من الاسباب، والغريب فهمه او تفسيره لدى الخبراء والمختصين! هناك جوانب حياتية لدينا تتغير بسرعة بينما هناك جوانب اخرى تتغير ببطء غير ملحوظ، نعم لدينا هوة ثقافية بسبب عدم الانتظام بين أوجه الحياة لكن ان يصل الحال بنا لتتغير معايير الانوثة والرجولة وينحدر الى مستوى يصعب تعريفه فهذا امر يحتاج إلى ان ينتفض له الباحثون وذوو الاختصاص لدراسة الاسباب والدواعي ومعالجتها.
بومنصور وأم مريان شخصيتان مفتعلتان وهميتان لاوجود لهما في الواقع سوى انهما تجسدان احد أوجه التغير الاجتماعي من حيث الفكر والسلوك الغريب، وكذلك احد اوجه اخلاقيات المجتمع المتفردة بأحد مظاهر المدنية المزعومة، يقدمان مثالا صارخا للتغير القيمي وانحراف العادات والمثل والتقاليد دون ادنى اهتمام من اي انتقاد قد يوجه جهرا او علناً، وأمثال بومنصور وأم مريان كثر، تراهم في الدواوين والوزارات (ويتمشون) في الاسواق بزهو وهامات شامخة… مشكلتهم انهم ضحايا التغير الاجتماعي السلبي، مثلوا بنجاح جل عوامل التغير في السلوك الظاهر والعام، عكسوا ذلك من خلال استخدام الادوات الجديدة للتحضر المنشود لديهم، بومنصور كشف عما بداخله من كبت وشعور مبني على حطام السنين المليئة بالمشاكل الاسرية والشعور السلبي لشخصية هزتها اتربة وغبار متطاير لسباق خسره مع صحبة الطفولة والشباب اعقبته بقايا ذيول هزائم ثقيلة تكبدها فتى اهدرت تربيته متطلبات ملحة لزمن الطفولة ومرحلة المراهقة وادوات هشة لبناء رجولة ناقصة فبكى على حطام الشقاوة، وبقايا طفولة أهدرت ابسط مقومات الكرامة، اهداه السبيل بإرجاع فحولتِه الضائعة بارتداء حلقات الأذن (التراجي) المرصعة بالألماس او المذهبة، وارتداء اللباس الغربي المهجن بالثقافات المستوردة ليقترب للنساء تشبها وبالشعر الطويل اهتماما وطول انتظارامام مرآة غرفة النوم يتبادل حديث الذات المنهكة بشروخ اخفاقات عقود الزمن المنسي، فتنحرف الذات ارشاداً لنفس هدها تناقض تنشئة الوالدين الهرِمين، فأهدى خلاصة شقائهما بتربيته (عنقوص) من شعره الاجعد (تجميع كتلة من الشعر وربطها في مؤخرة الرأس) لعل ذلك يرمم بقايا أمراض النقص والذات المحطمة في زمن التغير السريع كي (يصيرون هو وربعه الأشاوس) ترجمة لأحد مظاهر الحضارة والمدنية، والمتخلف عن ذلك الركب سيكون رجعيا بنظرهم، دخلوا خانة الجياكر وانهم غير مطلوبين للجنس الآخر… متخلفين.. (دقة قديمة)!!.
الله يرحم ايام زمان عندما كان عيال الفريج (يعايرون بومنصور) بتسميته بوراس نسبة لحجم رأسه الذي يكبر الآخرين بشكل غير ملحوظ، لكن عيال الفريج كعادتهم (يتصيدون) على بعضهم البعض، هذا بزيادة وزنه (بوتمبة) وذاك القزم لقصر قامته وهكذا….الخ.
اليوم اختلف الوضع، بسبب مقاييس القرن الحادي والعشرين التي تقود الشباب الى اختيار اسس جديدة في معايير مختلفة تماماً عما كانت عليه معايير الرجولة والشاب (الشقردي) ايام زمان، منها المعايير المرتبطة بتأدية فروض الصلوات الخمس بالمسجد او ذاك الذي تعتمد عليه اسرته في كل شيء وانه رجل البيت الثاني بكل اقتدار.
لا يتغير الحال عند بعض البنات بل اشد تطرفا في الفكر، اذ يلجأ بعضهن الى موضة قص الشعر (تواليت) اي قصير جدا كالرجال!!. بنات الفريج ايام زمان لا تحتاج ان تعرّف بنفسها فهي أنثى كما خلقها الله، مهمتها الاولى ان تطّول شعرها الى اقصى حد، تدرك تماماً ان ذلك من صفات الجمال وأن السواد الاعظم من الرجال (يموتون) في الشعر الطويل ويبحثون دائماً من (بنات الحلال) التي تكون احدى صفاتها طول الشعر، لكن متطلبات الحياة العصرية وما يُفرض على المجتمع من أسس للتطور المزعوم، هي ان يقوم أفراده بإظهار جانب من جوانب الحضارة.
لدى الكثير وانا منهم قناعة بأهمية ان تدفع المجتمعات ذات التغير السريع كالمجتمع الكويتي ثمنا لهذا التطور والنمو السريع، لكن ارى كما يرى الاختصاصيون المعنيون، ان لا يكون الثمن في السلوك والأخلاق.
غالية تلك الاثمان وتمادت كثيرا ونخرت اكثر في قيمنا ومبادئنا وتقاليدنا، لذلك استقرت مفاهيم جديدة ودخيلة علينا، تمسكنت حتى تمكنت، ما افهمه من اسباب… هو هشاشة القيمة لدينا وقابليتها للهزيمة والاندثار (ليقبرها) بومنصور وام مريان وصحبهما الاكارم في اقرب مكان.. لمثواها الاخير.

ناصر أحمد العمار
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.